يكون واحدا، والشافعي يجيز أن يكون في المصر قاضيان اثنان إذا رسم لكل واحد منهما ما يحكم فيه، وإن شرط اتفاقهما في كل حكم لم يجز، وإن شرط الاستقلال لكل واحد منهما فوجهان: الجواز، والمنع، قال: وإذا تنازع الخصمان في اختيار أحدهما وجب أن يقترعا عنده. وأما فضائل القضا فكثيرة، وقد ذكرها الناس في كتبهم. وقد اختلفوا في الأمي هل يجوز أن يكون قاضيا، والأبين جوازه لكونه عليه الصلاة والسلام أميا، وقال قوم: لا يجوز، وعن الشافعي القولان جميعا، لأنه يحتمل أن يكون ذلك خاصا به لموضع العجز، ولا خلا ف في جواز حكم الامام الأعظم، وتوليته للقاضي شرط في صحة قضائه لا خلاف أعرف فيه. واختلفوا من هذا الباب في نفوذ حكم من رضيه المتداعيان ممن ليس بوال على الاحكام. فقال مالك: يجوز، وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يجوز، وقال أبو حنيفة:
يجوز إذا وافق حكمه حكم قاضي البلد.
الباب الثاني: في معرفة ما يقضي به وأما فيما يحكم، فاتفقوا أن القاضي يحكم في كل شئ من الحقوق كان حقا لله أو حقا للآدميين، وأنه نائب عن الامام الأعظم في هذا المعنى وأنه يعقد الأنكحة ويقدم الأوصياء، وهل يقدم الأئمة في المساجد الجامعة؟ فيه خلاف، وكذلك هل يستخلف؟ فيه خلاف في المرض والسفر إلا أن يؤذن له. وليس ينظر في الحياة ولا في غير ذلك من الولاة، وينظر في التحجير على السفهاء عند من يرى التحجير عليهم. ومن فروع هذا الباب هل ما يحكم فيه الحاكم يحله للمحكوم له به، وإن لم يكن في نفسه حلالا؟ وذلك أنهم أجمعوا على أن حكم الحاكم الظاهر الذي يعتريه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، وذلك في الأموال خاصة لقوله عليه الصلاة والسلام: إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا، فإنما أقطع له قطعة من النار. واختلفوا في حل عصمة النكاح أو عقده بالظاهر الذي يظن الحاكم أنه حق وليس بحق، إذ لا يحل حرام، ولا يحرم حلال بظاهر حكم الحاكم دون أن يكون الباطن كذلك هل يحل ذلك أم لا؟
فقال الجمهور: الأموال والفروج في ذلك سواء، لا يحل حكم الحاكم منها حراما ولا يحرم حلالا، وذلك مثل أن يشهد شاهد زور في امرأة أجنبية أنها زوجة لرجل أجنبي ليست له بزوجة، فقال الجمهور: لا تحل له وإن أحلها الحاكم بظاهر الحكم. وقال أبو حنيفة وجمهور أصحابه: تحل له. فعمدة الجمهور: عموم الحديث المتقدم، وشبهة الحنفية أن الحكم باللعان ثابت بالشرع، وقد علم أن أحد المتلاعنين كاذب، واللعان يوجب الفرقة ويحرم المرأة على زوجها الملاعن لها ويحلها لغيره، فإن كان هو الكاذب فلم تحرم عليه إلا بحكم الحاكم، وكذلك إن كانت هي الكاذبة، لان زناها لا يوجب فرقتها على قول أكثر