الذي كان يفتي به ابن عمر. وأما من لم ير هذا الطلاق واقعا فإنه اعتمد عموم قوله (ص):
كل فعل أو عمل ليس عليه أمرنا فهو رد وقالوا: أمر رسول الله (ص) برده يشعر بعدم نفوذه ووقوعه. وبالجملة فسبب الاختلاف: هل الشروط التي اشترطها الشرع في الطلاق السني هي شروط صحة وإجزاء. أم شروط كمال وتمام؟ فمن قال شروط إجزاء قال: لا يقع الطلاق الذي عدم هذه الصفة، ومن قال: شروط كمال وتمام قال يقع ويندب إلى أن يقع كاملا، ولذلك من قال بوقوع الطلاق وجبره على الرجعة فقد تناقض، فتدبر ذلك.
وأما المسألة الثانية: وهي هل يجبر على الرجعة أو لا يجبر؟ فمن اعتمد ظاهر الامر وهو الوجوب على ما هو عليه عند الجمهور قال: يجبر، ومن لحظ هذا المعنى الذي قلناه من كون الطلاق واقعا قال: هذا الامر هو على الندب.
وأما المسألة الثالثة: وهي متى يوقع الطلاق بعد الاجبار فإن من اشترط في ذلك أن يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإنما صار لذلك لأنه المنصوص عليه في حديث ابن عمر المتقدم قالوا: والمعنى في ذلك لتصح الرجعة بالوطئ في الطهر الذي بعد الحيض لأنه لو طلقها في الطهر الذي بعد الحيضة لم يكن عليها من الطلاق الآخر عدة لأنه كان يكون كالمطلق قبل الدخول. وبالجملة فقالوا إن من شرط الرجعة وجود زمان يصح فيه الوطئ، وعلى هذا التعليل يكون من شروط طلاق السنة أن يطلقها في طهر لم يطلق في الحيضة التي قبله، وهو أحد الشروط المشترطة عند مالك في طلاق السنة فيما ذكره عبد الوهاب، وأما الذين لم يشترطوا ذلك، فإنهم صاروا إلى ما روى يونس بن جبير وسعيد بن جبير وابن سيرين ومن تابعهم عن ابن عمر في هذا الحديث أنه قال: يراجعها فإذا طهرت طلقها إن شاء، وقالوا: المعنى في ذلك أنه إنما أمر بالرجوع عقوبة له لأنه طلق في زمان كره له فيه الطلاق، فإذا ذهب ذلك الزمان وقع منه الطلاق على وجه غير مكروه فسبب اختلافهم تعارض الآثار في هذه المسألة وتعارض مفهوم العلة.
وأما المسألة الرابعة: وهي متى يجبر؟ فإنما ذهب مالك إلى أنه يجبر على رجعتها لطول زمان العدة لأنه الزمان الذي له فيه ارتجاعها. وأما أشهب فإنه إنما صار في هذا إلى ظاهر الحديث، لان فيه مره فليراجعها حتى تطهر فدل ذلك على أن المراجعة كانت في الحيضة، وأيضا فإنه قال: إنه أمر بمراجعتها لئلا تطول عليها العدة، فإنه إذا وقع عليها الطلاق في الحيضة لم تعتد بها بإجماع فإن قلنا إن يراجعها في غير الحيضة كان ذلك عليها أطول، وعلى هذا التعليل فينبغي أن يجوز إيقاع الطلاق في الطهر الذي بعد الحيضة.
فسبب الاختلاف هو سبب اختلافهم في علة الامر بالرد.