كتاب العارية والنظر في العارية في أركانها وأحكامها، وأركانها خمسة: الإعارة، والمعير والمستعير، والمعار، والصيغة، أما الإعارة فهي فعل خير ومندوب إليه، وقد شدد فيها قوم من السلف الأول: روي عن عبد الله بن عباس و عبد الله بن مسعود أنهما قالا في قوله تعالى: * (ويمنعون الماعون) * أنه متاع البيت الذي يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والدلو والحبل والقدر وما أشبه ذلك، وأما المعير فلا يعتبر فيه إلا كونه مالكا للعارية إما لرقبتها وإما لمنفعتها، والأظهر أنها لا تصلح من المستعير أعني أن يعيرها. وأما العارية فتكون في الدور والأرضين والحيوان، وجميع ما يعرف بعينه إذا كانت منفعته مباحة الاستعمال، ولذلك لا تجوز إباحة الجواري للاستمتاع ويكره للاستخدام إلا أن تكون ذات محرم. وأما صيغة الإعارة، فهي كل لفظ يدل على الاذن، وهي عقد جائز عند الشافعي وأبي حنيفة:
أي للمعير أن يسترد عاريته إذا شاء، وقال مالك في المشهور: ليس له استرجاعها قبل الانتفاع، وإن شرط مدة لزمته من المدة ما يرى الناس أنه مدة لمثل تلك العارية. وسبب الخلاف: ما يوجد فيها من شبه العقود اللازمة وغير اللازمة. وأما الاحكام فكثيرة، وأشهرها هل هي مضمونة أو أمانة؟ فمنهم من قال: إنها مضمونة وإن قامت البينة على تلفها، وهو قول أشهب والشافعي، وأحد قولي مالك، ومنهم من قال نقيض هذا، وهو أنها ليست مضمونة أصلا وهو قول أبي حنيفة، ومنهم من قال: يضمن فيما يغاب عليه إذا لم يكن على التلف بينة، ولا يضمن فيما لا يغاب عليه، ولا فيما قامت البينة على تلفه، وهو مذهب مالك المشهور وابن القاسم وأكثر أصحابه. وسبب الخلاف: تعارض الآثار في ذلك، وذلك أنه ورد في الحديث الثابت أنه قال عليه الصلاة والسلام لصفوان بن أمية بل عارية مضمونة مؤداة وفي بعضها بل عارية مؤداة وروي عنه أنه قال: ليس على المستعير ضمان فمن رجح وأخذ بهذا أسقط