القول في المعنى الذي يدل عليه لفظ الوصية والوصية بالجملة هي هبة الرجل ما له لشخص آخر أو لاشخاص بعد موته أو عتق غلامه سواء صرح بلفظ الوصية أو لم يصرح به، وهذا العقد هو من العقود الجائزة باتفاق، أعني أن للموصي أن يرجع فيما أوصى به، إلا المدبر فإنهم اختلفوا فيه على ما سيأتي في كتاب التدبير، وأجمعوا على أنه لا يجب للموصى له إلا بعد موت الموصي.
واختلفوا في قبول الموصى له هل هو شرط في صحتها أم لا؟ فقال مالك: قبول الموصى له إياها شرط في صحة الوصية، وروي عن الشافعي أنه ليس القبول شرطا في صحتها، ومالك شبهها بالهبة.
القول في الاحكام وهذه الأحكام منها لفظية، ومنها حسابية، ومنها حكمية، فمن مسائلها المشهورة الحكمية اختلافهم في حكم من أوصى بثلث ماله لرجل وعين ما أوصى له به في ماله مما هو الثلث، فقال الورثة: ذلك الذي عين أكثر من الثلث، فقال مالك: الورثة مخيرون بين أن يعطوه ذلك الذي عينه الموصي أو يعطوه الثلث من جميع مال الميت، وخالفه في ذلك أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وأحمد وداود. وعمدتهم أن الوصية قد وجبت للموصى له بموت الموصي وقبوله إياها باتفاق، فكيف ينقل عن ملكه ما وجبله بغير طيب نفس منه وتغير الوصية؟ وعمدة مالك إمكان صدق الورثة فيما ادعو، وما أحسن ما رأى أبو عمر بن عبد البر في هذه المسألة، وذلك أنه قال: إذا ادعى الورثة ذلك كلفوا بيان ما ادعوا، فإن ثبت ذلك أخذ منه الموصى له قدر الثلث من ذلك الشئ الموصى به وكان شريكا للورثة، وإن كان الثلث فأقل جبروا على اخراجه، وإذا لم يختلفوا في أن ذلك الشئ الموصى به هو فوق الثلث، فعند مالك أن الورثة مخيرون بين أن يدفعوا إليه ما أوصي له به، أو يفرجوا له عن جميع ثلث مال الميت، إما في ذلك الشئ بعينه، وإما في جميع المال على اختلاف الرواية عن مالك في ذلك، وقال أبو حنيفة والشافعي: له ثلث تلك العين ويكون بباقيه شريكا للورثة في جميع ما ترك الميت حتى يستوفي تمام الثلث. <ش 6 <وسبب الخلاف: أن الميت لما تعدى في أن جعل وصيته في شئ بعينه، فهل الأعدل في حق الورثة أن يخيروا بين إمضاء الوصية أو يفرجوا له إلى غاية ما يجوز للميت أن يخرج عنهم من ماله، أو يبطل التعدي ويعود ذلك الحق مشتركا؟ وهذا هو الأولى إذا قلنا إن التعدي هو التعيين لكونه أكثر من الثلث، أعني أن الواجب أن يسقط التعيين. وأما أن يكلف الورثة أن يمضوا التعيين أو يتخلوا عن جميع الثلث فهو حمل عليهم. ومن هذا الباب اختلافهم فيمن وجبت عليه زكاة فمات ولم يوص بها فعل هي من الثلث، أو من رأس المال؟ فقال مالك:
إذا لم يوص بها لم يلزم الورثة اخراجها. وقال الشافعي: يلزم الورثة اخراجها من رأس