رسول الله (ص) فسأله عن اللقطة. فقال: اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها، قال: فضالة الغنم يا رسول الله؟ قال: هي لك أو لأخيك أو للذئب. قال: فضالة الإبل؟. قال: ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها وترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها وهذا الحديث يتضمن معرفة ما يلتقط مما لا يلتقط. ومعرفة حكم ما يلتقط كيف يكون في العام وبعده وبماذا يستحقها مدعيها. فأما الإبل فاتفقوا على أنها لا تلتقط. واتفقوا على الغنم أنها تلتقط. وترددوا في البقر. والنص عن الشافعي أنها كالإبل. وعن مالك أنها كالغنم. وعنه خلاف.
الجملة الثانية: وأما حكم التعريف، فاتفق العلماء على تعريف ما كان منها له بال سنة ما لم تكن من الغنم. واختلفوا في حكمها بعد السنة. فاتفق فقهاء الأمصار مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور: إذا انقضت كان له أن يأكلها إن كان فقيرا، أو يتصدق بها إن كان غنيا. فإن جاء صاحبها كان مخيرا بين أن يجيز الصدقة فينزل على ثوابها أو يضمنه إياها. واختلفوا في الغني هل له أن يأكلها أو ينفقها بعد الحول؟ فقال مالك والشافعي: له ذلك، وقال أبو حنيفة: ليس له أن يأكلها أو يتصدق بها، وروي مثل قوله عن علي وابن عباس وجماعة من التابعين، وقال الأوزاعي: إن كان مالا كثيرا جعله في بيت المال، وروي مثل قول مالك والشافعي عن عمرو ابن مسعود وابن عمر وعائشة. وكلهم متفقون على أنه إن أكلها ضمنها لصاحبها إلا أهل الظاهر. واستدل مالك والشافعي بقوله عليه الصلاة والسلام: فشأنك بها ولم يفرق بين غني وفقير. ومن الحجة لهما ما رواه البخاري والترمذي عن سويد بن غفلة قال: لقيت أويس بن كعب فقال: وجدت صرة فيها مائة دينار، فأتيت النبي (ص) فقال: عرفها حولا، فعرفتها فلم أجد، ثم أتيته ثلاثا فقال: احفظ وعاءها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها وخرج الترمذي وأبو داود فاستنفقها. فسبب الخلاف: معارضة ظاهر لفظ حديث اللقطة لأصل الشرع، وهو أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه، فمن غلب هذا الأصل على ظاهر الحديث، وهو قوله بعد التعريف فشأنك بها قال: لا يجوز فيها تصرف إلا بالصدقة فقط على أن يضمن إن لم يجز صاحب اللقطة الصدقة، ومن غلب ظاهر الحديث على هذا الأصل ورأي أنه مستثنى عنه قال تحل له بعد العام وهي مال من ماله لا يضمنها إن جاء صاحبها، ومن توسط قال: يتصرف بعد العام فيها وإن كانت عينا على جهة الضمان. وأما حكم دفع القطة لمن ادعاها، فاتفقوا على إنها لا تدف إليه إذا لم يعرف العفاص ولا الوكاء، واختلفوا إذا عرف ذلك هل يحتاج إلى بينة أم لا؟ فقال مالك: يستحق بالعلامة، ولا يحتاج إلى بينة، وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يستحق إلا ببينة. وسبب الخلاف: معارضة الأصل في اشتراط الشهادة في صحة الدعوى لظاهر هذا