كتاب الصلح والأصل في هذا الكتاب قوله تعالى: * (والصلح خير) * وما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام مرفوعا وموقوفا على عمر إمضاء الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا واتفق المسلمون على جوازه على الاقرار، واختلفوا في جوازه على الانكار، فقال مالك وأبو حنيفة: يجوز على الانكار، وقال الشافعي: لا يجوز على الانكار لأنه من أكل المال بالباطل من غير عوض. والمالكية تقول فيه عوض، وهو سقوط الخصومة واندفاع اليمين عنه، ولا خلاف في مذهب مالك أن الصلح الذي يقع على الاقرار يراعي في صحته ما يراعي في البيوع، فيفسد بما تفسد به البيوع من أنواع الفساد الخاص بالبيوع ويصح بصحته، وهذا هو مثل أن يدعي انسان على آخر دراهم فيصالحه عليها بعد الاقرار بدنانير نسيئة، وما أشبه هذا من البيوع الفاسدة من قبل الربا والغرر. وأما الصلح على الانكار فالمشهور فيه عن مالك وأصحابه أنه يراعي فيه من الصحة ما يراعي في البيوع، مثل أن يدعي انسان على آخر دراهم فينكر ثم يصالحه عليها بدنانير مؤجلة، فهذا لا يجوز عند مالك وأصحابه، وقال أصبغ:
هو جائز، لان المكروه فيه من الطرف الواحد، وهو من جهة الطالب لأنه يعترف أنه أخذ دنانير نسيئة في دراهم حلت له. وأما الدافع فيقول: هي هبة مني. وأما إن ارتفع المكروه من الطرفين، مثل أن يدعي كل واحد منهما على صاحب دنانير أو دراهم فينكر كل واحد منهما صاحبه، ثم يصطلحان على أن يؤخر كل واحد منهما صاحبه فيما يدعيه قبله إلى أجل، فهذا عندهم هو مكروه. أما كراهيته فمخافة أن يكون كل واحد منهما. فيكون كل واحد منهما قد أنظر صاحبه لانظار الآخر إياه فيدخله أسلفني وأسلفك. وأما وجه جوازه فلان كل واحد منهما إنما يقول ما فعلت، إنما هو تبرع مني، وما كان يجب علي شئ، وهذا النحو من البيوع قيل إنه يجوز إذا وقع، وقال ابن الماجشون: يفسخ إذا وقع عليه أثر عقده، فإن طال مضى، فالصلح الذي يقع فيه مما لا يجوز في البيوع هو في مذهب مالك على ثلاثة أقسام: صلح يفسخ باتفاق، وصلح يفسخ باختلاف، وصلح لا يفسخ باتفاق إن طال، وإن لم يطل فيه اختلاف.