ثم السلطان. والمولى الأعلى عنده أحق من الأسفل، والوصي عنده أولى من ولي النسب:
أعني وصي الأب. واختلف أصحابه فيمن هو أولى: وصي الأب أو ولي النسب؟ فقال ابن القاسم: الوصي أولى، مثل قول مالك، وقال ابن الماجشون وابن عبد الحكم: الولي أولى.
وخالف الشافعي مالكا في ولاية البنوة فلم يجزها أصلا، وفي تقديم الاخوة على الجد فقال: لا ولاية للابن، وروي عن مالك أن الأب أولى من الابن وهو أحسن، وقال أيضا:
الجد أولى من الأخ، وبه قال المغيرة، والشافعي اعتبر التعصيب، أعني أن الولد ليس من عصبتها لحديث عمر لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان ولم يعتبره مالك في الابن لحديث أم سلمة أن النبي (ص) أمر ابنها أن ينكحها إياه ولأنهم اتفقوا: أعني مالكا والشافعي على أن الابن يرث الولاء الواجب للأم، والولاء عندهم للعصبة. وسبب اختلافهم في الجد: هو اختلافهم فيمن هو أقرب: هل الجد أو الأخ؟
ويتعلق بالترتيب ثلاث مسائل مشهورة: أحدها: إذا زوج الأبعد مع حضور الأقرب.
والثانية: إذا غاب الأقرب هل تنتقل الولاية إلى الأبعد أو إلى السلطان؟ والثالثة: إذا غاب الأب عن ابنته البكر هل تنتقل الولاية أو لا تنتقل؟
فأما المسألة الأولى: فاختلف فيها قول مالك، فمرة قال: إن زوج الأبعد مع حضور الأقرب فالنكاح مفسوخ، ومرة قال: النكاح جائز، ومرة قال: للأقرب أن يجيز أو يفسخ، وهذا الخلاف كله عنده فيما عدا الأب في ابنته البكر والوصي في محجورته، فإنه لا يختلف قوله أن النكاح في هذين مفسوخ، أعني تزويج غير الأب البنت البكر مع حضور الأب أو غير الوصي المحجورة مع حضور الوصي، وقال الشافعي: لا يعقد أحد مع حضور الأب لا في بكر ولا في ثيب. وسبب هذا الاختلاف: هو هل الترتيب حكم شرعي: أعني ثابتا بالشرع في الولاية، أم ليس بحكم شرعي؟ وإن كان حكما فهل ذلك حق من حقوق الولي الأقرب، أم ذلك حق من حقوق الله؟ فمن لم ير الترتيب حكما شرعيا قال: يجوز نكاح الأبعد مع حضور الأقرب، ومن رأى أنه حكم شرعي ورأي أنه حق للولي قال: النكاح منعقد، فإن أجازه الولي جاز، وإن لم يجزه انفسخ، ومن رأى أنه حق لله قال: النكاح غير منعقد، وقد أنكر قوم هذا المعنى في المذهب: أعني أن يكون النكاح منفسخا غير منعقد.
وأما المسألة الثانية: فإن مالكا يقول: إذا غاب الولي الأقرب انتقلت الولاية إلى الأبعد، وقال الشافعي: تنتقل إلى السلطان. وسبب اختلافهم: هل الغيبة في ذلك بمنزلة الموت أم لا؟ وذلك أنه لا خلاف عندهم في انتقالها في الموت.
وأما المسألة الثالثة: وهي غيبة الأب عن ابنته البكر، فإن في المذهب فيها تفصيلا واختلافا، وذلك راجع إلى بعد المكان وطول الغيبة أو قربه والجهل بمكانه أو العلم به.