كتاب الكتابة والنظر الكلي في الكتابة ينحصر في أركانها وشروطها وأحكامها. وأما الأركان فثلاثة:
العقد وشروطه وصفته، والعاقد، والمعقود عليه وصفاتهما. ونحن نذكر المسائل المشهورة لأهل الأمصار في جنس جنس من هذه الأجناس.
القول في مسائل العقد فمن مسائل هذا الجنس المشهورة اختلافهم في عقد الكتابة: هل هو واجب أو مندوب إليه؟ فقال فقهاء الأمصار: إنه مندوب. وقال أهل الظاهر: هو واجب، واحتجوا بظاهر قوله تعالى: * (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) * والامر على الوجوب. وأما الجمهور فإنهم لما رأوا أن الأصل هو أن لا يجبر أحد على عتق مملوكه حملوا هذه الآية على الندب لئلا تكون معارضة لهذا الأصل، وأيضا فإنه لم يكن للعبد أن يحكم له على سيده بالبيع له وهو خروج رقبته عن ملكه بعوض، فأحرى أن لا يحكم له عليه بخروجه عن غير عوض هو مالكه، وذلك أن كسب العبد هو للسيد. وهذه المسألة هي أقرب أن تكون من أحكام العقد من أن تكون من أركانه، وهذا العقد بالجملة هو أن يشتري العبد نفسه وماله من سيده بمال يكتسبه العبد. فأركان هذا العقد الثمن والمثمون والأجل والألفاظ الدالة على هذا العقد. فأما الثمن، فإنهم اتفقوا على أنه يجوز إذا كان معلوما بالعلم الذي يشترط في البيوع. واختلفوا إذا كان في لفظه إبهام ما، فقال أبو حنيفة ومالك: يجوز أن يكاتب عبده على جارية أو عبد من غير أن يصفهما ويكون له الوسط من العبيد، وقال الشافعي: لا يجوز حتى يصفه، فمن اعتبر في هذا طلب المعاينة شبهه بالبيوع، ومن رأى أن هذا العقد مقصوده المكارمة وعدم التشاح جوز فيه الغرر اليسير كحال اختلافهم في الصداق، ومالك يجيز بين العبد وسيده من جنس الربا ما لا يجوز بين الأجنبي والأجنبي من