لا يجوز، وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: إنه يجوز، وعلة المنع الجهل والغرر. وأما إن كانا من صنف واحد فيجوز عند مالك، ولا يجوز عند أبي حنيفة والشافعي وأما مالك فإنه أجازه لأنه يجيز الخيار بعد عقد البيع في الأصناف المستوية لقلة الغرر عنده في ذلك. وأما من لا يجيزه فيعتبره بالغرر الذي لا يجوز. لأنهما افترقا على بيع غير معلوم. وبالجملة فالفقهاء متفقون على أن الغرر الكثير في المبيعات لا يجوز. وأن القليل يجوز. ويختلفون في أشياء من أنواع الغرر. فبعضهم يلحقها بالغرر الكثير، وبعضهم يلحقها بالغرر القليل المباح لترددها بين القليل والكثير، فإذا قلنا بالجواز على مذهب مالك، فقبض الثوبين من المشتري على أن يختار فهلك أحدهما أو أصابه عيب فمن يصيبه ذلك؟ فقيل تكون المصيبة بينهما. وقيل بل يضمنه كله المشتري. إلا أن تقوم البينة على هلاكه. وقيل فرق في ذلك بين الثياب وما يغاب عليه وبين ما لا يغاب عليه كالعبد فيضمن فيما يغاب عليه ولا يضمن فيما لا يغاب عليه. وأما هل يلزمه أخذ الباقي؟ قيل يلزم. وقيل لا يلزم. وهذا يذكر في أحكام البيوع. وينبغي أن نعلم أن المسائل الداخلة في هذا المعنى هي: أما عند فقها الأمصار فمن باب الغرر، وأما عند مالك فمنها ما يكون عنده من باب ذرائع الربا، ومنها ما يكون من باب الغرر. فهذه هي المسائل التي تتعلق بالمنطوق به في هذا الباب. وأما نهيه عن بيع الثنيا وعن بيع وشرط فهو وإن كان سببه الغرر فالأشبه أن نذكرها في المبيعات الفاسدة من قبل الشروط.
فصل: وأما المسائل المسكوت عنها في هذا الباب المختلف فيها بين فقهاء الأمصار فكثيرة، لكن نذكر منها أشهرها لتكون كالقانون للمجتهد النظار.
مسألة: المبيعات على نوعين: مبيع حاضر مرئي، فهذا لا خلاف في بيعه. ومبيع غائب أو متعذر الرؤية، فهنا اختلف العلماء، فقال قوم: بيع الغائب لا يجوز بحال من الأحوال لا ما وصف ولا ما لم يوصف. وهذا أشهر قولي الشافعي وهو المنصوص عند أصحابه، أعني أن بيع الغائب على الصفة لا يجوز، وقال مالك وأكثر أهل المدينة: يجوز بيع الغائب على الصفة إذا كانت غيبته مما يؤمن أن تتغير فيه قبل القبض صفته، وقال أبو حنيفة:
يجوز بيع العين الغائبة من غير صفة، ثم له إذا رآها الخيار، فإن شاء أنفذ البيع وإن شاء رده.
وكذلك المبيع على الصفة من شرطه عندهم خيار الرؤية وإن جاء على الصفة وعند مالك أنه إذا جاء على الصفة فهو لازم، وعند الشافعي لا ينعقد البيع أصلا في الموضعين، وقد قيل في المذهب: يجوز بيع الغائب من غير صفة على شرط الخيار خيار الرؤية، وقع ذلك في المدونة، وأنكره عبد الوهاب وقال: هو مخالف لأصولنا. وسبب الخلاف: هل نقصان العلم المتعلق بالصفة عن العلم المتعلق بالحس هو جهل مؤثر في بيع الشئ فيكون من الغرر الكثير، أم ليس بمؤثر وأنه من الغرر اليسير المعفو عنه؟ فالشافعي رآه من الغرر الكثير،