الحاجة وكان عموم البلوى في هذه المسألة يقتضي أن ينقل اشتراط الولاية عنه (ص) تواترا أو قريبا من التواتر ثم لم ينقل، فقد يجب أن يعتقد أحد أمرين: إما أنه ليست الولاية شرطا في صحة النكاح وإنما للأولياء الحسبة في ذلك، وإما إن كان شرطا فليس من صحتها تمييز صفات الولي وأصنافهم ومراتبهم، ولذلك يضعف قول من يبطل عقد الولي الأبعد مع وجود الأقرب.
الموضع الثاني: وأما النظر في الصفات الموجبة للولاية والسالبة لها، فإنهم اتفقوا على أن من شرط الولاية: الاسلام والبلوغ والذكورية، وأن سوالبها أضداد هذه: أعني الكفر والصغر والأنوثة. واختلفوا في ثلاثة: في العبد والفاسق والسفيه. فأما العبد فالأكثر على منع ولايته، وجوزها أبو حنيفة. وأما الرشد فالمشهور في المذهب: أعني عند أكثر أصحاب مالك أن ذلك ليس من شرطها، وقد روي عن مالك مثل قول الشافعي، وبقول الشافعي قال أشهب وأبو معصب. وسبب الخلاف: تشبيه هذه الولاية بولاية المال، فمن رأى أنه قد يوجب الرشد في هذه الولاية مع عدمه في المال قال: ليس من شرطه أن يكون رشيدا في المال، ومن رأى أن ذلك ممتنع الوجود قال: لا بد من الرشد في المال، وهما قسمان كما ترى. أعني أن الرشد في المال غير الرشد في اختيار الكفاءة لها. وأما العدالة فإنما اختلفوا فيها من جهة أنها نظر للمعنى: أعني هذه الولاية فلا يؤمن مع عدم العدالة أن لا يختار لها الكفاءة.
وقد يمكن أن يقال إن الحالة التي بها يختار الأولياء لمولياتهم الكفء غير حالة العدالة وهي خوف لحوق العار بهم، وهذه هي موجودة بالطبع وتلك العدالة الأخرى مكتسبة، ولنقص العبد يدخل الخلاف في ولايته كما يدخل في عدالته.
الموضع الثالث: وأما أصناف الولاية عند القائلين بها فهي نسب وسلطان ومولى أعلى وأسفل. ومجرد الاسلام عند مالك صفة تقتضي الولاية على الدنيئة. واختلفوا في الوصي، فقال مالك: يكون الوصي وليا، ومنع ذلك الشافعي. وسبب اختلافهم: هل صفة الولاية مما يمكن أن يستناب فيها، أم ليس يمكن ذلك؟ ولهذا السبب بعينه اختلفوا في الوكالة في النكاح، لكن الجمهور على جوازها، إلا أبا ثور، ولا فرق بين الوكالة والايصاء، لان الوصي وكيل بعد الموت، والوكالة تنقطع بالموت. واختلفوا في ترتيب الولاية من النسب. فعند مالك أن الولاية معتبرة بالتعصيب إلا الابن، فمن كان أقرب عصبة كان أحق بالولاية، والأبناء عنده أولى وإن سفلوا ثم الآباء ثم الإخوة للأب والأم. ثم للأب ثم بنو الإخوة للأب والأم ثم للأب فقط ثم الأجداد للأب وإن علوا. وقال المغيرة: الجد وأبوه أولى من الأخ، وابنه ليس من أصل، ثم العمومة على ترتيب الاخوة وإن سفلوا ثم المولى