حتى يصح موته، وقولهم مروي عن علي وابن مسعود. والسبب في اختلافهم: معارضة استصحاب الحال للقياس، وذلك أن استصحاب الحال يوجب أن لا تنحل عصمة إلا بموت أو طلاق حتى يدل الدليل على غير ذلك. وأما القياس فهو تشبيه الضرر اللاحق لها من غيبته بالايلاء والعنة، فيكون لها الخيار كما يكون في هذين والمفقودون عند المحصلين من أصحاب مالك أربعة: مفقود في أرض الاسلام وقع الخلاف فيه، ومفقود في أرض الحرب، ومفقود في حروب الاسلام، أعني فيما بينهم، ومفقود في حروب الكفار، والخلاف عن مالك وعن أصحابه في الثلاثة الأصناف من المفقودين كثير. فأما المفقود في بلاد الحرب فحكمه عندهم حكم الأسير لا تتزوج امرأته ولا يقسم ماله حتى يصح موته، ما خلا أشهب، فإنه حكم له بحكم المفقود في أرض المسلمين. وأما المفقود في حروب المسلمين فقال: إن حكمه حكم المقتول دون تلوم، وقيل يتلوم له بحسب بعد الموضع الذي كانت فيه المعركة وقربه وأقصى الاجل في ذلك سنة. وأما المفقود في حروب الكفار ففيه في المذهب أربعة أقوال: قيل حكمه حكم الأسير، وقيل حكمه حكم المقتول بعد تلوم سنة، إلا أن يكون بموضع لا يخفى أمره فيحكم له بحكم المفقود في حروب المسلمين وفتنهم، والقول الثالث أن حكمه حكم المفقود في بلاد المسلمين، والرابع حكمه حكم المقتول في زوجته، وحكم المفقود في أرض المسلمين في ماله أعني يعمر وحينئذ يورث، وهذه الأقاويل كلها مبناها على تجويز النظر بحسب الأصلح في الشرع، وهو الذي يعرف بالقياس المرسل، وبين العلماء فيه اختلاف: أعني بين القائلين بالقياس.
الفصل الرابع: في خيار العتق واتفقوا على أن الأمة إذا عتقت تحت عبد أن لها الخيار، واختلفوا إذا عتقت تحت الحر هل لها خيار أم لا؟ فقال مالك والشافعي وأهل المدينة والأوزاعي وأحمد والليث: لا خيار لها. وقال أبو حنيفة والثوري: لها الخيار حرا كان أو عبدا. وسبب اختلافهم: تعارض النقل في حديث بريرة، واحتمال العلة الموجبة للخيار أن يكون الجبر الذي كان في إنكاحها بإطلاق إذا كانت أمة، أو الجبر على تزويجها من عبد، فمن قال: العلة الجبر على النكاح بإطلاق قال: تخير تحت الحر والعبد، ومن قال الجبر على تزويج العبد فقط قال:
تخير تحت العبد فقط. وأما اختلاف النقل فإنه روي عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا أسود. وروي عن عائشة أن زوجها كان حرا. وكلا النقلين ثابت عند أصحاب الحديث، واختلفوا أيضا في الوقت الذي يكون لها الخيار فيه، فقال مالك والشافعي: يكون لها الخيار ما لم يمسها، وقال أبو حنيفة: خيارها على المجلس، وقال الأوزاعي: إنما يسقط خيارها بالمسيس إذا علمت أن المسيس يسقط خيارها.