الباب في الرجل يطلق زوجته طلقة رجعية وهو غائب ثم يراجعها فيبلغها الطلاق ولا يبلغها الرجعة فتتزوج إذا انقضت عدتها، فذهب مالك إلى أنها للذي عقد عليها النكاح دخل بها أو لم يدخل، هذا قوله في الموطأ، وبه قال الأوزاعي والليث. وروى عنه ابن القاسم أنه رجع عن القول الأول، وأنه قال: الأول أولى بها إلا أن يدخل الثاني، وبالقول الأول قال المدنيون من أصحابه. قالوا: ولم يرجع عنه لأنه أثبته في موطئه إلى يوم مات وهو يقرأ عليه، وهو قول عمر بن الخطاب ورواه عنه مالك في الموطأ، وأما الشافعي والكوفيون وأبو حنيفة وغيرهم فقالوا: زوجها الأول الذي ارتجعها أحق بها دخل بها الثاني أو لم يدخل، وبه قال داود وأبو ثور، وهو مروي عن علي وهو الأبين. وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في هذه المسألة: إن الزوج الذي ارتجعها مخير بين أن تكون امرأته أو أن يرجع عليها بما كان أصدقها، وحجة مالك في الرواية الأولى ما رواه ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال: مضت السنة في الذي يطلق امرأته ثم يراجعها فيكتمها رجعتها حتى تحل فتنكح زوجا غيره أنه ليس له من أمرها شئ ولكنها لمن تزوجها، وقد قيل إن هذا الحديث إنما يروى عن ابن شهاب فقط. وحجة الفريق الأول أن العلماء قد أجمعوا على أن الرجعة صحيحة وإن لم تعلم بها المرأة، بدليل أنهم قد أجمعوا على أن الأول أحق بها قبل أن تتزوج، وإذا كانت الرجعة صحيحة كان زواج الثاني فاسدا، فإن نكاح الغير لا تأثير له في إبطال الرجعة لا قبل الدخول ولا بعد الدخول وهو الأظهر إن شاء الله، ويشهد لهذا ما خرجه الترمذي عن سمرة بن جندب أن النبي (ص) قال أيما امرأة تزوجها اثنان فهي للأول منهما، ومن باع بيعا من رجلين فهو للأول منهما.
الباب الثاني: في أحكام الارتجاع في الطلاق البائن والطلاق البائن، إما بما دون الثلاث فذلك يقع في غير المدخول بها بلا خلاف، وفي المختلعة باختلاف، وهل يقع أيضا دون عوض؟ فيه خلاف. وحكم الرجعة بعد هذا الطلاق حكم ابتداء النكاح أعني في اشتراط الصداق والولي والرضا، إلا أنه لا يعتبر فيه انقضاء العدة عند الجمهور، وشذ قوم فقالوا: المختلعة لا يتزوجها زوجها في العدة ولا غيره، وهؤلاء كأنهم رأوا منع النكاح في العدة عبادة. وأما البائنة بالثلاث، فإن العلماء كلهم على أن المطلقة ثلاثا لا تحل لزوجها الأول إلا بعد الوطئ لحديث رفاعة بن سموأل أنه طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله (ص) ثلاثا فنكحت عبد الرحمن بن الزبير. فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها، فأراد رفاعة زوجها الأول أن ينكحها، فذكر ذلك لرسول الله (ص) فنهاه عن تزويجها وقال: لا تحل لك حتى تذوق العسيلة. وشذ سعيد بن المسيب فقال: إنه جائز أن ترجع إلى