إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض فيزرعها، ورجل منح أرضا فهو يزرع ما منح، ورجل اكترى بذهب أو فضة قالوا: فلا يجوز أن يتعدى ما في هذا الحديث والأحاديث الاخر مطلقة وهذا مقيد، ومن الواجب حمل المطلق على المقيد. وعمدة من أجاز كراءها بكل شئ ما عدا الطعام، وسواء أكان الطعام مدخرا أو لم يكن: حديث يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله (ص): من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يكرها بثلث ولا ربع ولا بطعام معين قالوا: وهذا هو معنى المحاقلة التي نهى رسول الله (ص) عنها، وذكروا حديث سعيد بن المسيب مرفوعا وفيه: والمحاقلة استكراء الأرض بالحنطة.
قالوا: وأيضا فإنه من بيع الطعام بالطعام نسيئة. وعمدة من لم يجز كراءها بالطعام ولا بشئ مما يخرج منها، أما بالطعام فحجته حجة من لو يجز كراءها بالطعام. وأما حجته على منع كرائها مما تنبت فهو ما ورد من نهيه (ص) عن المخابرة، قالوا: وهي كراء الأرض بما يخرج منها وهذا قول مالك وكل أصحابه. وعمدة من أجاز كراءها بجميع العروض والطعام وغير ذلك مما يخرج منها أنه كراء منفعة معلومة بشئ معلوم، فجاز قياسا على إجارة سائر المنافع، وكأن هؤلاء ضعفوا أحاديث رافع. روي عن سالم بن عبد الله وغيره في حديث رافع أنهم قالوا: اكترى رافع. قالوا: وقد جاء في بعض الروايات عنه ما يجب أن يحمل عليها سائرها قال: كنا أكثر أهل المدينة حقلا، قال: وكان أحدنا يكري أرضه ويقول: هذه القطعة لي وهذه لك، وربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه، فنهاهم النبي (ص) خرجه البخاري. وأما من لم يجز كراءها بما يخرج منها، فعمدته النظر والأثر. أما الأثر: فما ورد من النهي عن المخابرة، وما ورد من حديث ابن خديج عن ظهير بن رافع قال: نهانا رسول الله (ص) عن أمر كان رفقا بنا، فقلت ما قال رسول الله (ص) فهو حق قال: دعاني رسول الله (ص) فقال: ما تصنعون بمحاقلكم؟ قلنا: نؤاجرها على الربع وعلى الأوسق من التمر والشعير، فقال رسول الله (ص): لا تفعلوا، ازرعوها أو زارعوها أو أمسكوها وهذا الحديث اتفق على تصحيحه الامام البخاري ومسلم. وأما من أجاز كراءها بما يخرج منها فعمدته حديث ابن عمر الثابت: أن رسول الله (ص) دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم على نصف ما تخرجه الأرض والثمرة قالوا: وهذا الحديث أولى من أحاديث رافع لأنها مضطربة المتون، وإن صحت أحاديث رافع حملناها على الكراهية لا على الحظر، بدليل ما خرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه قال: إن النبي (ص) لم ينه عنها ولكن قال: إن يمنح أحدكم أخاه يكن له خيرا من أن يأخذ منه شيئا قالوا: وقدم معاذ بن جبل اليمن حين بعثه رسول الله (ص) وهم يخابرون فأقرهم.
وأما إجارة المؤذن: فإن قوما لم يروا في ذلك بأسا، وقوما كرهوا ذلك. والذين كرهوا ذلك وحرموه احتجوا بما روي عن عثمان بن أبي العاص قال: قال