ملكا للراهن لا عند مالك ولا عند الشافعي، بل قد يجوز عندهما أن يكون مستعارا. واتفقوا على أن من شرطه أن يكون إقراره في يد المرتهن من قبل الراهن. واختلفوا إذا كان قبض المرتهن له بغصب ثم أقره المغصوب منه في يده رهنا، فقال مالك: يصح أن ينقل الشئ المغصوب من ضمان الغصب إلى ضمان الرهن، فيجعل المغصوب منه الشئ المغصوب رهنا في يد الغاصب قبل قبضه منه وقال الشافعي: لا يجوز بل يبقى على ضمان الغصب إلا أن يقبضه. واختلفوا في رهن المشاع، فمنعه أبو حنيفة وأجازه مالك والشافعي والسبب في الخلاف: هل تمكن حيازة المشاع أم لا تمكن؟
الركن الثالث: وهو الشئ المرهون فيه، وأصل مذهب مالك في هذا أنه يجوز أن يؤخذ الرهن في جميع الأثمان الواقعة في جميع البيوعات إلا الصرف ورأس المال في السلم المتعلق بالذمة، وذلك لان الصرف من شرطه التقابض. فلا يجوز فيه عقدة الرهن، وكذلك رأس مال السلم وإن كان عنده دون الصرف في هذا المعنى. وقال قوم من أهل الظاهر:
لا يجوز أخذ الرهن إلا في السلم خاصة: أعني في المسلم فيه، وهؤلاء ذهبوا إلى ذلك لكون آية الرهن واردة في الدين في المبيعات وهو السلم عندهم، فكأنهم جعلوا هذا شرطا من شروط صحة الرهن، لأنه قال في أول آية: * (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) * ثم قال: * (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) * فعلى مذهب مالك يجوز أخذ الرهن في السلم وفي القرض وفي قيم المتلفات وفي أروش الجنايات في الأموال، وفي جراح العمد الذي لا قود فيه كالمأمومة والجائفة. وأما قتل العمد والجراح التي يقاد منها فيتخرج في جواز أخذ الرهن في الدية فيها إذا عفا الولي قولان: أحدهما: أن ذلك يجوز، وذلك على القول بأن الولي مخير في العمد بين الدية والقود. والقول الثاني: أما ذلك لا يجوز، وذلك أيضا مبني على أن ليس للولي إلا القود فقط إذا أبى الجاني من إعطاء الدية. ويجوز في قتل الخطأ أخذ الرهن ممن يتعين من العاقلة وذلك بعد الحلول، ويجوز في العارية التي تضمن، ولا يجوز فيما لا يضمن، ويجوز أخذه في الإجارات، ويجوز في الجعل بعد العمل، ولا يجوز قبله، ويجوز الرهن في المهر، ولا يجوز في الحدود ولا في القصاص ولا في الكتابة، وبالجملة فيما لا تصح فيه الكفالة. وقالت الشافعية: المرهون فيه له شرائط ثلاث: أحدها: أن يكون دينا، فإنه لا يرهن في عين. والثاني: أن يكون واجبا، فإنه لا يرهن قبل الوجوب، مثل أن يسترهنه بما يستقرضه، ويجوز ذلك عند مالك. والثالث: أن لا يكون لزمه متوقعا أن يجب، وأن لا يجب كالرهن في الكتابة، وهذا المذهب قريب من مذهب مالك.