أذكر لمالك في ذلك قولا، ولا يكفي عند الشافعي المعاطاة دون قول، ولا خلاف فيما أحسب أن الايجاب والقبول المؤثرين في اللزوم لا بتراخي أحدهما عن الثاني حتى يفترق المجلس، أعني انه متى قال البائع قد بعت سلعتي بكذا وكذا فسكت المشتري ولم يقبل البيع حتى افترقا ثم أتى بعد ذلك فقال: قد قبلت أنه لا يلزم ذلك البائع. واختلفوا متى يكون اللزوم. فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وطائفة من أهل المدينة: إن البيع يلزم في المجلس بالقول وإن لم يفترقا، وقال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود، وابن عمر من الصحابة رضي الله عنهم: البيع لازم بالافتراق من المجلس وأنهما مهما لم يفترقا، فليس يلزم البيع ولا ينعقد، وهو قول ابن أبي ذئب في طائفة من أهل المدينة وابن المبارك وسوار القاضي وشريح القاضي وجماعة من التابعين وغيرهم، وهو مروي عن ابن عمر وأبي برزة الأسلمي من الصحابة ولا مخالف لهما من الصحابة. وعمدة المشترطين لخيار المجلس حديث مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله (ص) قال المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يفترقا إلا بيع الخيار وفي بعض روايات هذا الحديث إلا أن يقول أحدهما لصاحبه اختر وهذا حديث إسناده عند الجميع من أوثق الأسانيد وأصحها، حتى لقد زعم أبو محمد أن مثل هذا الاسناد يوقع العلم وإن كان من طريق الآحاد. وأما المخالفون فقد اضطرب بهم وجه الدليل لمذهبهم في رد العمل بهذا الحديث: فالذي اعتمد عليه مالك رحمه الله في رد العمل به أنه لم يلف عمل أهل المدينة عليه مع أنه قد عارضه عنده ما رواه من منقطع حديث ابن مسعود أنه قال: أيما بيعين تبايعا فالقول قول البائع أو يترادان فكأنه حمل هذا على عمومه، وذلك يقتضي أن يكون في المجلس وبعد المجلس. ولو كان المجلس شرطا في انعقاد البيع لم يكن يحتاج فيه إلى تبيين حكم الاختلاف في المجلس لان البيع بعد لم ينعقد ولا لزم بل بالافتراق من المجلس، وهذا الحديث منقطع ولا يعارض به الأول، وبخاصة أنه لا يعارضه إلا مع توهم العموم فيه، والأولى أن ينبني هذا على ذلك، وهذا الحديث لم يخرجه أحد مسندا فيما أحسب، فهذا هو الذي اعتمده مالك رحمه الله في ترك العمل بهذا الحديث. وأما أصحاب مالك فاعتمدوا في ذلك على ظواهر سمعية، وعلى القياس، فمن أظهر الظاهر في ذلك قوله عز وجل: * (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) * والعقد هو الايجاب والقبول، والامر على الوجوب، وخيار المجلس يوجب ترك الوفاء بالعقد، لان له عندهم أن يرجع في البيع بعد ما أنعم ما لم يفترقا. وأما القياس فإنهم قالوا: عقد معاوضة، فلم يكن لخيار المجلس فيه أثر أصله سائر العقود مثل النكاح والكتابة والخلع والرهون والصلح على دم
(١٣٧)