كتاب التدبير والنظر في التدبير، في أركانه، وفي أحكامه. وأما الأركان فهي أربعة: المعنى، واللفظ، والمدبر والمدبر. وأما الاحكام فصنفان: أحكام العقد، وأحكام المدبر.
الركن الأول: فنقول: أجمع المسلمون على جواز التدبير، وهو أن يقول السيد لعبده:
أنت حر عن دبر مني، أو يطلق فيقول: أنت مدبر، وهذان هما عندهم لفظا التدبير باتفاق.
والناس في التدبير والوصية على صنفين: منهم من لم يفرق بينهما، ومنهم من فرق بين التدبير والوصية بأن جعل التدبير لازما والوصية غير لازمة. والذين فرقوا بينهما اختلفوا في مطلق لفظ الحرية بعد الموت هل يتضمن معنى الوصية؟ أو حكم التدبير؟ أعني إذا قال: أنت حر بعد موتي، فقال مالك: إذا قال وهو صحيح: أنت حر بعد موتي فالظاهر أنه وصية، والقول قوله في ذلك، ويجوز رجوعه فيها إلا أن يريد التدبير. وقال أبو حنيفة: الظاهر من هذا القول التدبير وليس له أن يرجع فيه، وبقول مالك قال ابن القاسم، وبقول أبي حنيفة قال أشهب قال: إلا أن يكون هنالك قرينة تدل على الوصية، مثل أن يكون على سفر أو يكون مريضا، وما أشبه ذلك من الأحوال التي جرت العادة أن يكتب الناس فيها وصاياهم، فعلى قول من لا يفرق بين الوصية والتدبير - وهو الشافعي ومن قال بقوله - هذا اللفظ هو من ألفاظ صريح التدبير. وأما على مذهب من يفرق فهو إما من كنايات التدبير، وإما ليس من كناياته ولا من صريحه، وذلك أن ما يحمله على الوصية فليس هو عنده من كناياته ولا من صريحه. ومن يحمله على التدبير وينويه يقبل هذا العقد هو كل عبد صحيح العبودية ليس يعتق على سيده سواء ملك كله أو بعضه. واختلفوا في حكم من ملك بعضا فدبره، فقال مالك: يجوز ذلك، وللذي لم يدبر حظه خياران: أحدهما: أن يتقاوماه، فإن اشتراه الذي دبره كان مدبرا كله، وإن لم يشتره انتقض التدبير. والخيار الثاني: أن يقومه عليه الشريك، وقال أبو حنيفة: للشريك