فالقياس أن تجري المنافع والأعيان المتولدة مجرى واحدا، وأن يعتبر التضمن أو لا يعتبر.
وأما سائر الأقاويل التي بين هذين فهي استحسان. وأجمع العلماء على أن من اغترس نخلا أو ثمرا بالجملة وبنيانا في غير أرضه أنه يؤمر بالقلع لما ثبت من حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله (ص) قال: من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق والعرق الظالم عندهم هو ما اغترس في أرض الغير. وروى أبو داود في هذا الحديث زيادة: قال عروة: ولقد حدثني الذي حدثني هذا الحديث أن رجلين اختصما إلى رسول الله (ص) غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر، فقضى لصاحب الأرض بأرضه، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها قال: فلقد رأيتها وإنها لتضرب أصولها بالفؤوس وإنها لنخل عم حتى أخرجت منها.
إلا ما روي في المشهور عن مالك أن من زرع زرعا في أرض غيره وفات أوان زراعته لم يكن لصاحب الأرض أن يقلع زرعه، وكان على الزارع كراء الأرض. وقد روي عنه ما يشبه قياس قول الجمهور، وعلى قوله: إن كل ما لا ينتفع الغاصب به إذا قلعه وأزاله أنه للمغصوب يكون الزرع على هذا للزارع. وفرق قوم بين الزرع والثمار فقالوا: الزارع في أرض غيره له نفقته وزريعته، وهو قول كثير من أهل المدينة، وبه قال أبو عبيد. وروي عن رافع بن خديج أنه قال عليه الصلاة والسلام: من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فله نفقته وليس له من الزرع شئ.
واختلف العلماء في القضاء فيما أفسدته المواشي والدواب على أربعة أقوال: أحدها: أن كل دابة مرسلة فصاحبها ضامن لما أفسدته. والثاني: أن لا ضمان عليه. والثالث: أن الضمان على أرباب البهائم بالليل، ولا ضمان عليهم فيما أفسدته بالنهار. والرابع: وجوب الضمان في غير المنفلت ولا ضمان في المنفلت، وممن قال: يضمن بالليل ولا يضمن بالنهار مالك والشافعي، وبأن لا ضمان عليهم أصلا قال أبو حنيفة وأصحابه، وبالضمان بإطلاق، قال الليث، إلا أن الليث قال: لا يضمن أكثر من قيمة الماشية، والقول الرابع مروي عن عمر رضي الله عنه. فعمدة مالك والشافعي في هذا الباب شيئان: أحدهما: قوله تعالى: * (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم) * والنفش عند أهل اللغة لا يكون إلا بالليل، وهذا الاحتجاج على مذهب من يرى أنا مخاطبون بشرع من قبلنا، والثاني: مرسله عن ابن شهاب أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط قوم فأفسدت فيه، فقضى رسول الله (ص) أن على أهل الحوائط بالنهار حفظها، وأن ما أفسدته المواشي بالليل ضامن على أهلها أي مضمون.
وعمدة أبي حنيفة قوله عليه الصلاة والسلام: العجماء جرحها جبار وقال الطحاوي: وتحقيق مذهب أبي حنيفة أنه لا يضمن إذا أرسلها محفوظة فأما إذا لم يرسلها محفوظة فيضمن، والمالكية تقول: من شرط قولنا أن تكون الغنم في المسرح وأما إذا كانت في أرض مزرعة لا مسرح فيها فهم يضمنون ليلا ونهارا. وعمدة من رأى الضمان فيما أفسدت ليلا ونهارا شهادة الأصول له، وذلك أنه تعد