موافق للأصول الثابتة. قالوا وللجمع بين الحديثين وجه، وهو حمل ذلك الحديث على الوديعة والعارية. إلا أن الجمهور دفعوا هذا التأويل بما ورد في لفظ حديث أبي هريرة في بعض الروايات من ذكر البيع. وهذا كله عند الجميع بعد قبض المشتري السلعة، فأما قبل القبض فالعلماء متفقون - أهل الحجاز وأهل العراق - أن صاحب السلعة أحق بها لأنها في ضمانه. واختلف القائلون بهذا الحديث إذا قبض البائع بعض الثمن، فقال مالك: إن شاء أن يرد ما قبض ويأخذ السلعة كلها، وإن شاء حاص الغرماء فيما بقي من سلعته، وقال الشافعي: بل يأخذ ما بقي من سلعته بما بقي من الثمن، وقالت جماعة من أهل العلم داود وإسحاق وأحمد: إن قبض من الثمن شيئا فهو أسوة الغرماء. وحجتهم ما روى مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن رسول الله (ص) قال: أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به وإن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع أسوة الغرماء وهو حديث وإن أرسله مالك فقد أسنده عبد الرزاق، وقد روي من طريق الزهري عن أبي هريرة فيه زيادة بيان. وهو قوله، فيه: فإن كان قبض من ثمنه شيئا فهو أسوة الغرماء ذكره أبو عبيد في كتابه في الفقه وخرجه. وحجة الشافعي أن كل السلعة أو بعضها في الحكم واحد، ولم يختلفوا أنه إذا فوت المشتري بعضها أن البائع أحق بالمقدار الذي أدرك من سلعته، إلا عطاء فإنه قال: إذا فوت المشتري بعضها كان البائع أسوة الغرماء. واختلف الشافعي ومالك في الموت هل حكمه حكم الفلس أم لا؟
فقال مالك: هو في الموت أسوة الغرماء، بخلاف الفلس، وقال الشافعي، الامر في ذلك واحد. وعمدة مالك ما رواه عن ابن شهاب عن أبي بكر - وهو نص في ذلك - وأيضا من جهة النظر أن فرقا بين الذمة في الفلس والموت، وذلك أن الفلس ممكن أن تثري حاله فيتبعه غرماؤه بما بقي عليه وذلك غير متصور في الموت. وأما الشافعي فعمدته ما رواه ابن أبي ذئب بسنده عن أبي هريرة قال: قال: رسول الله (ص): أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق به فسوى في هذه الرواية بين الموت والفلس. وقال: وحديث ابن أبي ذئب أولى من حديث ابن شهاب. لان حديث ابن شهاب مرسل وهذا مسند، ومن طريق المعنى فهو مال لا تصرف فيه لمالكه إلا بعد أداء ما عليه، فأشبه مال المفلس، وقياس مالك أقوى من قياس الشافعي، وترجيح حديثه على حديث ابن أبي ذئب من جهة أن موافقة القياس له أقوى، وذلك أن ما وافق من الأحاديث المتعارضة قياس المعنى فهو أقوى مما وافقه قياس الشبه: أعني أن القياس الموافق لحديث الشافعي هو قياس شبه، والموافق لحديث مالك قياس معنى، ومرسل مالك خرجه عبد الرزاق. فسبب الخلاف: تعارض الآثار في هذا المعنى والمقاييس، وأيضا فإن الأصل يشهد لقول مالك في الموت أعني من باع شيئا فليس يرجع إليه، فمالك رحمه الله أقوى في هذه المسألة، والشافعي إنما ضعف