فلا خلاف في المذهب أن محاصة الغرماء بها واجبة. وأما ما كان عن عوض غير مقبوض، فإن ذلك ينقسم خمسة أقسام: أحدها أن لا يمكنه دفع العوض بحال كنفقة الزوجات لما يأتي من المدة، والثاني: أن لا يمكنه دفع العوض، ولكن يمكنه دفع ما يستوفي فيه، مثل أن يكتري الرجل الدار بالنقد، أو يكون العرف فيه النقد، ففلس المكتري قبل أن يسكن أو بعد ما سكن بعض السكنى وقبل أن يدفع الكراء. والثالث: أن يكون دفع العوض يمكن ويلزمه كرأس مال السلم إذا أفلس المسلم إليه قبل دفع رأس المال.
والرابع: أن يمكنه دفع العوض، ولا يلزمه مثل السلعة إذا باعها ففلس المبتاع قبل أن يدفعها إليه البائع. والخامس: أن لا يكون إليه تعجيل دفع العوض، مثل أن يسلم الرجل إلى رجل دنانير في عروض إلى أجل فيفلس المسلم قبل أن يدفع رأس المال وقبل أن يحل أجل السلم. فأما الذي لا يمكنه دفع العوض بحال فلا محاصة في ذلك إلا في مهور الزوجات إذا أفلس الزوج قبل الدخول. وأما الذي لا يمكنه دفع العوض ويمكنه دفع ما يستوفي منه، مثل المكتري يفلس قبل دفع الكراء، فقيل للمكري المحاصة بجميع الثمن وإسلام الدار للغرماء، وقيل ليس له إلا المحاصة بما سكن ويأخذ داره، وإن كان لم يسكن فليس له إلا أخذ داره. وأما ما يمكنه دفع العوض يلزمه وهو إذا كان العوض عينا، فقيل يحاص به الغرماء في الواجب له بالعوض ويدفعه، وقيل هو أحق به وعلى هذا لا يلزمه دفع العوض. وأما ما يمكنه دفع العوض ولا يلزمه فهو بالخيار بين المحاصة والامساك وذلك هو إذا كان العوض عينا. وأما إذا لم يكن إليه تعجيل العوض مثل أن يفلس المسلم قبل أن يدفع رأس المال، وقبل أن يحل أجل السلم، فإن رضي المسلم إليه أن يعجل العروض ويحاصص الغرماء برأس مال السلم فذلك جائز إن رضي بذلك الغرماء، فإن أبى ذلك أحد الغرماء حاص الغرماء برأس المال الواجب له فيما وجد للغريم من مال، وفي العروض التي عليه إذا حلت لأنها من مال الفلس، وإن شاءوا أن يبيعوها بالنقد ويتحاصوا فيها كان ذلك لهم. وأما ما كان من الحقوق الواجبة عن غير عوض فإن ما كان منها غير واجب بالشرع بل بالالتزام كالهبات والصدقات فلا محاصة فيها. وأما ما كان منها واجبا بالشرع كنفقة الآباء والأبناء، ففيها قولان: أحدهما: أن المحاصة لا تجب بها، وهو قول ابن القاسم، والثاني: أنها تجب بها إذا لزمت بحكم من السلطان، وهو قول أشهب. وأما النظر الخامس: وهو معرفة وجه التحاص، فإن الحكم في ذلك أن يصرف مال الغريم من جنس ديون الغرماء، وسواء أكان مال الغرماء من جنس واحد أو من أجناس مختلفة، إذ كان لا يقتضي في الديون إلا ما هو من جنس الدين إلا أن يتفقوا من ذلك على شئ يجوز. واختلفوا من هذا الباب في فرع طارئ، وهو إذا هلك مال المحجور عليه بعد الحجر وقبل قبض الغرماء: ممن مصيبته؟ فقال أشهب: مصيبته من المفلس، وقال ابن