قوم: إنها لا تلزم قبل إثبات الحق بوجه من الوجوه، وهو قول شريح القاضي والشعب وبه قال سحنون من أصحاب مالك. وقال قوم: بل يجب أخذ الكفيل بالوجه على إثبات الحق، وهؤلاء اختلفوا متى يلزم ذلك؟ وإلى كم من المدة يلزم؟ فقال قوم: إن أتى بشبهة قوية مثل شاهد واحد لزمه أن يعطي ضامنا بوجهه حتى يلوح حقه وألا لم يلزمه الكفيل إلا أن يذكر بينة حاضرة في المصر فيعطيه حميلا من الخمسة الأيام إلى الجمعة، وهو قول ابن القاسم من أصحاب مالك، وقال أهل العراق: لا يؤخذ عليهم حميل قبل ثبوت الحق إلا أن يدعي بينة حاضرة في المصر نحو قول ابن القاسم، وإلا أنهم حدوا ذلك بالثلاثة الأيام يقولون إنه إن أتى بشبهة لزمه أن يعطيه حميلا حتى يثبت دعواه أو تبطل، وقد أنكروا الفرق في ذلك والفرق بين الذي يدعي البينة الحاضرة والغائبة، وقالوا: لا يؤخذ حميل على أحد إلا ببينة، وذلك إلى بيان صدق دعواه أو إبطالها. وسبب هذا الاختلاف: تعارض وجه العدل بين الخصمين في ذلك، فإنه إذا لم يؤخذ عليه ضامن بمجرد الدعوى لم يؤمن أن يغيب بوجهه فيعنت طالبه، وإذا أخذ عليه لم يؤمن أن تكون الدعوى باطلة فيعنت المطلوب، ولهذا فرق من فرق بين دعوى البينة الحاضرة والغائبة. وروي عن عراك بن مالك قال: أقبل نفر من الاعراب معهم ظهر فصحبهم رجلان فباتا معهم، فأصبح القوم وقد فقدوا كذا وكذا من إبلهم، فقال رسول الله (ص) لاحد الرجلين: اذهب واطلب وحبس الآخر، فجاء بما ذهب، فقال رسول الله (ص) لاحد الرجلين: استغفر لي، فقال: غفر الله لك، قال: وأنت فغفر الله لك وقتلك في سبيله خرج هذا الحديث أبو عبيد في كتابه في الفقه، قال: وحمله بعض العلماء على أن ذلك كان رسول الله (ص) حبسا قال: ولا يعجبني ذلك، لأنه لا يجب الحبس بمجرد الدعوى، وإنما هو عندي من باب الكفالة بالحق الذي لم يجب إذ كانت هنالك شبهة لمكان صحبتهما لهم. فأما أصناف المضمونين فليس يلحق من قبل ذلك اختلاف مشهور لاختلافهم في ضمان الميت إذا كان عليه دين ولم يترك وفاء بدينه، فأجازه مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يجوز. واستدل أبو حنيفة من قبل أن الضمان لا يتعلق بمعدوم قطعا، وليس كذلك المفلس. واستدل من رأى أن الضمان يلزمه بما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام كان في صدر الاسلام لا يصلي على من مات وعليه دين حتى يضمن عنه والجمهور يصح عندهم كفالة المحبوس والغائب، ولا يصح عند أبي حنيفة. وأما شروط الكفالة فإن أبا حنيفة والشافعي يشترطان في وجوب رجوع الضامن على المضمون بما أدى عنه أن يكون الضمان بإذنه، ومالك لا يشترط ذلك ولا تجوز عند الشافعي كفالة المجهول ولا الحق الذي لم يجب بعد، وكل ذلك لازم وجائز عند مالك وأصحابه. وأما ما تجوز فيه الحمالة بالمال مما لا تجوز، فإنها تجوز عند مالك بكل مال ثابت في الذمة إلا الكتابة وما لا يجوز فيه التأخير، وما يستحق شيئا فشيئا مثل النفقات على الأزواج، وما شاكلها.
(٢٤١)