بالوجه غار لصاحب الحق فوجب عليه الغرم إذا غاب، وربما احتج لهم بما روي عن ابن عباس: أن رجلا سأل غريمه أن يؤدي إليه ماله أو يعطيه حميلا، فلم يقدر حتى حاكمه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فتحمل عنه رسول الله (ص) ثم أدى المال إليه قالوا: فهذا غرم في الحمالة المطلقة. وأما أهل العراق فقالوا: إنما يجب عليه إحضار ما تحمل به وهو النفس، فليس يجب أن يعدى ذلك إلى المال إلا لو شرطه على نفسه، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
المؤمنون عند شروطهم فإنما عليه أن يحضر المال أو يحبس فيه، كذلك الامر في ضمان الوجه. وعمدة الفريق الثالث أنه إنما يلزمه إحضاره إذا كان إحضاره له مما يمكن، وحينئذ يحبس إذا لم يحضره، وأما إذا علم أن إحضاره له غير ممكن فليس يجب عليه إحضاره كما أنه إذا مات ليس عليه إحضاره. قالوا:
ومن ضمن الوجه فأغرم المال فهو أحرى أن يكون مغرورا من أن يكون غارا. فأما إذا اشترط الوجه دون المال وصرح بالشرط فقد قال مالك: إن المال لا يلزمه، ولا خلاف في هذا فيما أحسب، لأنه كان يكون قد ألزم ضد ما اشترط، فهذا هو حكم ضمان الوجه. وأما حكم ضمان المال فإن الفقهاء متفقون على أنه إذا عدم المضمون أو غاب أن الضامن غارم.
واختلفوا إذا حضر الضامن والمضمون وكلاهما موسر. فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق: للطالب أن يؤاخذ من شاء من الكفيل أو المكفول.
وقال مالك في أحد قوليه: ليس له أن يأخذ الكفيل مع وجود المتكفل عنه. وله قول آخر مثل قول الجمهور. وقال أبو ثور: الحمالة والكفالة واحدة، ومن ضمن عن رجل مالا لزمه وبرئ المضمون، ولا يجوز أن يكون مال واحد على اثنين، وبه قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة. ومن الحجة لمن رأى أن الطالب يجوز له مطالبة الضامن، كان المضمون عنه غائبا أو حاضرا، غنيا أو عديما، حديث قبيصة بن المخارقي قال: تحملت حمالة فأتيت النبي (ص) فسألت عنها، فقال: نخرجها عنك من إبل الصدقة... يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا في ثلاث، وذكر رجلا تحمل حمالة رجل حتى يؤديها. ووجه الدليل من هذا أن النبي (ص) أباح المسألة للمتحمل دون اعتبار حال المتحمل عنه. وأما محل الكفالة فهي الأموال عند جمهور أهل العلم لقوله عليه الصلاة والسلام: الزعيم غارم أعني كفالة المال وكفالة الوجه، وسواء تعلقت الأموال من قبل أموال أو من قبل حدود، مثل المال الواجب في قتل الخطأ أو الصلح في قتل العمد أو السرقة التي ليس يتعلق بها قطع وهي ما دون النصاب أو من غير ذلك. وروي عن أبي حنيفة إجازة الكفالة في الحدود والقصاص، أو في القصاص دون الحدود وهو قول عثمان البتي: أعني كفالة النفس. وأما وقت وجوب الكفالة بالمال أعني مطالبته بالكفيل، فأجمع العلماء على أن ذلك بعد ثبوت الحق على المكفول إما بإقرار وإما ببينة. وأما وقت وجوب الكفالة بالوجه، فاختلفوا هل تلزم قبل إثبات الحق أم لا؟ فقال