الغرماء قال جابر: فأتيت النبي (ص) فكلمته، فسألهم أن يقبلوا مني حائطي، ويحللوا أبي، فأبوا، فلم يعطهم رسول الله (ص) حائطي، قال: ولكن سأغدو عليك، قال: فغدا علينا حين أصبح فطاف بالنخل فدعا في ثمرها بالبركة قال: فجذذتها فقضيت منها حقوقهم، وبقي من ثمرها بقية وربما روي أيضا أنه مات أسيد بن الحضير وعليه عشرة آلاف درهم، فدعا عمر بن الخطاب غرماءه، فقبلهم أرضه وأربع سنين مما لهم عليه. قالوا: فهذه الآثار كلها ليس فيها أنه بيع أصل في دين. قالوا: ويدل على حبسه قوله (ص): لي الواجد يحل عرضه وعقوبته قالوا: والعقوبة هي حبسه. وربما شبهوا استحقاق أصول العقار عليه باستحقاق إجازته، وإذا قلنا إن المفلس محجور عليه، فالنظر في ماذا يحجر عليه؟ وبأي ديون تكون المحاصة في ماله؟ وفي أي شئ من ماله تكون المحاصة؟ وكيف تكون؟. فأما المفلس فله حالان: حال في وقت الفلس قبل الحجر عليه، وحال بعد الحجر. فأما قبل الحجر فلا يجوز له إتلاف شئ من ماله عند مالك بغير عوض إذا كان مما لا يلزمه ومما لا تجري العادة بفعله، وإنما اشترط إذا كان مما لا يلزمه، لان له أن يفعل ما يلزم بالشرع وإن لم يكن بعوض كنفقته على الآباء المعسرين أو الأبناء، وإنما قيل مما لم تجر العادة بفعله، لان له إتلاف اليسير من ماله بغير عوض كالأضحية والنفقة في العيد والصدقة اليسيرة، وكذلك تراعى العادة في إنفاقه في عوض كالتزوج والنفقة على الزوجة ويجوز بيعه وابتياعه ما لم تكن فيه محاباة، وكذلك يجوز إقراره بالدين لمن لا يتهم عليه. واختلف قول مالك في قضاء بعض غرمائه دون بعض وفي رهنه. وأما جمهور من قال بالحجر على المفلس فقالوا: هو قبل الحكم كسائر الناس، وإنما ذهب الجمهور لهذا لان الأصل هو جواز الأفعال حتى يقع الحجر، ومالك كأنه اعتبر المعنى نفسه، وهو إحاطة الدين بماله لكن لم يعتبره في كل حال، لأنه يجوز بيعه وشراؤه إذا لم يكن فيه محاباة، ولا يجوزه للمحجور عليه. وأما حاله بعد التفليس فلا يجوز له فيها عند مالك بيع ولا شراء ولا أخذ ولاعطاء، ولا يجوز إقراره بدين في ذمته لقريب ولا بعيد. قيل إلا إن يكون لواحد منهم بينة، وقيل يجوز لمن يعلم منه إليه تقاض. واختلف في إقراره بمال معين مثل القراض والوديعة على ثلاثة أقوال في المذهب: بالجواز، والمنع. والثالث: بالفرق بين أن يكون على أصل القراض أو الوديعة ببينة أو لا تكون، فقيل إن كانت صدق وإن لم تكن لم يصدق. واختلفوا من هذا الباب في ديون المفلس المؤجلة هل تحل بالتفليس أم لا؟
فذهب مالك إلى أن التفليس في ذلك كالموت، وذهب غيره إلى خلاف ذلك. وجمهور العلماء على أن الديون تحل بالموت، وقال ابن شهاب مضت السنة بأن دينه قد حل حين مات. وحجتهم أن الله تبارك وتعالى لم يبح التوارث إلا بعد قضاء الدين، فالورثة في ذلك بين أحد أمرين: إما أن لا يريد وأن يؤخروا حقوقهم في المواريث إلى محل أجل الدين