إما بالزمان إن كان عملا واستيفاء منفعة متصلة الوجود مثل كراء الدور والحوانيت، وإما بالمكان أن كان مثليا مثل كراء الرواحل. وذهب أهل الظاهر وطائفة من السلف إلى جواز إجارات المجهولات مثل أن يعطي الرجل حماره لمن يسقي عليه أو يحتطب عليه بنصف ما يعود عليه. وعمدة الجمهور أن الإجارة بيع فامتنع فيها من الجهل - لمكان الغبن - ما امتنع في المبيعات. واحتج الفريق الثاني بقياس الإجارة على القراض والمساقاة، والجمهور على أن القراض والمساقاة مستثنيان بالسنة فلا يقاس عليهما لخروجهما عن الأصول. واتفق مالك والشافعي على أنهما إذا ضربا للمنفعة التي ليس لها غاية أمدا من الزمان محدودا. وحددوا أيضا أول ذلك الأمد، وكان أوله عقب العقد أذلك جائز.
واختلفوا إذا لم يحددوا أول الزمان أو حددوه ولم يكن عقب العقد، فقال مالك: يجوز إذا حدد الزمان ولم يحدد أوله، مثل أن يقول له استأجرت منك هذه الدار سنة بكذا أو شهرا بكذا، ولا يذكر أول ذلك الشهر ولا أول تلك السنة. وقال الشافعي: لا يجوز، ويكون أول الوقت عند مالك وقت عقد الإجارة، فمنعه الشافعي لأنه غرر، وأجازه مالك لأنه معلوم بالعادة، وكذلك لم يجز الشافعي إذا كان أول العقد متراخيا عن العقد، وأجازه مالك. واختلف قول أصحابه في استئجار الأرض غير المأمونة، والتغيير فيما بعد من الزمان، وكذلك اختلف مالك والشافعي في مقدار الزمان الذي تقدر به هذه المنافع، فمالك يجيز ذلك السنين الكثيرة، مثل أن يكري الدار لعشرة أعوام أو أكثر، مما لا تتغير الدار في مثله، وقال الشافعي: لا يجوز ذلك لأكثر من عام واحد. واختلف قول ابن القاسم وابن الماجشون في أرض المطر وأرض السقي بالعيون وأرض السقي بالآبار والأنهار، فأجاز ابن القاسم فيها الكراء السنين الكثيرة، وفصل ابن الماجشون فقال: لا يجوز الكراء في أرض المطر إلا لعام واحد، وأما أرض السقي بالعيون فلا يجوز كراؤها إلا لثلاثة أعوام وأربعة، وأما أرض الآبار والأنهار فلا يجوز إلا لعشرة أعوام فقط. فالاختلاف ههنا في ثلاثة مواضع: في تحديد أول المدة، وفي طولها، وفي بعدها من وقت العقد.
وكذلك اختلف مالك والشافعي إذا لم يحدد المدة وحدد القدر الذي يجب لأقل المدة. مثل أن يقول: أكتري منك هذه الدار الشهر بكذا، ولا يضربان لذلك أمدا معلوما، فقال الشافعي: لا يجوز، وقال مالك وأصحابه: يجوز على قياس: أبيعك من هذه الصبرة بحساب القفيز بدرهم، وهذا لا يجوز غيره. وسبب الخلاف: اعتبار الجهل الواقع في هذه الأشياء هل هو من الغرر المعفو عنه أو المنهي عنه؟ ومن هذا الباب اختلافهم في البيع والإجارة، إجارة مالك، ومنعه الشافعي وأبو حنيفة، ولم يجز مالك أن يقترن بالبيع إلا الإجارة فقط. ومن هذه الباب اختلافهم في إجارة المشاع، فقال مالك والشافعي: هي جائزة، وقال أبو حنيفة: لا تجوز، لان عنده أن الانتفاع بها مع الإشاعة متعذر، وعند