بعد حط الزيادة، وعن الشافعي القولان: القول بالخيار مطلقا، والقول باللزوم بعد الحط.
فحجة من أوجب البيع بعد الحط أن المشتري إنما أربحه على ما ابتاع به السلعة لا غير ذلك، فلما ظهر خلاف ما قال وجب أن يرجع إلى الذي ظهر، كما لو أخذ بكيل معلوم فخرج بغير ذلك الكيل أنه يلزمه توفية ذلك الكيل. وحجة من رأى أن الخيار مطلقا تشبيه الكذب في هذه المسألة بالعيب، أعني أنه كما يوجب العيب الخيار كذلك يوجب الكذب. وأما إذا فاتت السلعة فقال الشافعي: يحط مقدار ما زاد من الثمن وما وجب له من الربح، وقال مالك: إن كانت قيمتها يوم القبض أو يوم البيع - على خلاف عنه في ذلك - مثل ما وزن المبتاع أو أقل فلا يرجع عليه المشتري بشئ، وإن كانت القيمة أقل خير البائع بين رده للمشتري القيمة أو رده الثمن أو إمضائه السلعة بالثمن الذي صح. وأما إذا باع الرجل سلعته مرابحة ثم أقام البينة أن ثمنها أكثر مما ذكره وأنه وهم في ذلك وهي قائمة، فقال الشافعي: لا يسمع من تلك البينة لأنه كذبها وقال مالك: يسمع منها ويجبر المبتاع على ذلك الثمن، وهذا بعيد لأنه بيع آخر. وقال مالك في هذه المسألة: إذا فاتت السلعة أن المبتاع مخير بين أن يعطى قيمة السلعة يوم قبضها أو أن يأخذها بالثمن الذي صح فهذه هي مشهورات مسائلهم في هذا الباب. ومعرفة أحكام هذا البيع تنبني في مذهب مالك على معرفة أحكام ثلاثة مسائل وما تركب منها: حكم مسألة الكذب، وحكم مسألة الغش، وحكم مسألة وجود العيب. فأما حكم الكذب فقد تقدم. وأما حكم الرد بالعيب فهو حكمه في البيع المطلق. وأما حكم الغش عنده فهو تخيير البائع مطلقا، وليس للبائع أن يلزمه البيع وإن حط عنه مقدار الغش كما له ذلك في مسألة الكذب، هذا عند ابن القاسم.
وأما عند أشهب، فإن الغش عنده ينقسم قسمين: قسم مؤثر في الثمن، وقسم غير مؤثر.
فأما غير المؤثر فلا حكم عنده فيه. وأما المؤثر فحكمه عنده حكم الكذب. وأما التي تتركب فهي أربع مسائل: كذب وغش، وكذب وتدليس، وغش وتدليس بعيب، وكذب وغش وتدليس بعيب، وأصل مذهب ابن القاسم فيها أنه يأخذ بالذي بقي حكمه إن كان فات بحكم أحدهما أو بالذي بقي حكمه أو بالذي هو أرجح له إن لم يفت حكم أحدهما، إما على التخيير حيث يمكن التخيير، أو الجمع حيث يمكن الجمع، وتفصيل هذا لائق بكتب الفروع، أعني مذهب ابن القاسم وغيره.