ذلك مما يمكن أن يتصور في هذا الباب فهذه هي مشهورات مسائل الخلاف المتعلقة بجنس المنفعة. وأما مسائل الخلاف المتعلقة بجنس الثمن فهي مسائل الخلاف المتعلقة بما يجوز أن يكون ثمنا في المبيعات وما لا يجوز، ومما ورد النهي فيه من هذه الباب ما روى أنه (ص) نهي عن عسيب الفحل وعن كسب الحجام وعن قفيز الطحان قال الطحاوي: ومعنى نهى النبي (ص) عن قفيز الطحان هو ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من دفع القمح إلى الطحان بجزء من الدقيق الذي يطحنه، قالوا: وهذا لا يجوز عندنا، وهو استئجار من المستأجر بعين ليس عنده، ولا هي من الأشياء التي تكون ديونا على الذمم، ووافقه الشافعي على هذا. وقال أصحابه:
لو استأجر السلاخ بالجلد والطحان بالنخالة أو بصاع من الدقيق فسد لنهيه (ص) عن قفيز الطحان، وهذا على مذهب مالك جائز، لأنه استأجره على جزء من الطعام معلوم، وأجرة الطحان ذلك الجزء وهو معلوم أيضا. وأما كسب الحجام، فذهب قوم إلى تحريمه، وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: كسبه ردئ يكره للرجل، وقال آخرون بل هو مباح. والسبب في اختلافهم: تعارض الآثار في هذا الباب، فمن رأى أنه حرام احتج بما روي عن أبي هريرة قال: رسول الله (ص): من السحت كسب الحجام وبما روي عن أنس بن مالك قال: حرم رسول الله (ص) كسب الحجام وروي عن عون بن أبي جحيفة قال: اشترى أبي حجاما فكسر محاجمه، فقلت له: لم يا أبت كسرتها؟ فقال: إن رسول الله (ص) نهى عن ثمن الدم. وأما من رأى إباحة ذلك، فاحتج بما روي عن ابن عباس قال: الحجام رسول الله (ص) وأعطى الحجام أجره قالوا: ولو كان حراما لم يعطه، وحديث جابر أن رسول الله (ص) دعا أبا طيبة فحجمه فسأله كم ضريبتك، فقال:
ثلاثة آصع، فوضع عنه صاعا وعنه أيضا أنه أمر للحجام بصاع من طعام، وأمر مواليه أن يخففوا عنه. وأما الذين قالوا بكراهيته فاحتجوا بما روي أن رفاعة بن رافع أو رافع بن رفاعة جاء إلى مجلس الأنصار فقال: نهى رسول الله (ص) عن كسب الحجام وأمرنا أن نطعمه ناضحنا وبما روي عن رجل من بني حارثة كان له حجام، وسأل رسول الله (ص) عن ذلك فنهاه، ثم عاد فنهاه، ثم عاد فنهاه، فلم يزل يراجعه حتى قال له رسول الله (ص): أعلف كسبه ناضحك وأطعمه رقيقك. ومن هذا الباب أيضا اختلافهم في إجارة دار بسكنى دار أخرى. فأجاز ذلك مالك ومنعه أبو حنيفة، ولعله رآها من باب الدين بالدين وهذا ضعيف، فهذه مشهورات مسائلهم فيما يتعلق بجنس الثمن وبجنس المنفعة. وأما ما يتعلق بأوصافها فنذكر أيضا المشهور منها، فمن ذلك أن جمهور فقهاء الأمصار: مالك وأبو حنيفة والشافعي اتفقوا بالجملة أن من شرط الإجارة أن يكون الثمن معلوما والمنفعة معلومة القدر، وذلك إما بغايتها مثل خياطة الثوب وعمل الباب، وإما بضرب الاجل إذا لم تكن لها غاية مثل خدمة الأجير، وذلك