يجوز قبل الصرام، فلا يخلو أن تكون بعد أن تزهى أو قبل أن تزهى. وقد قلنا إن ذلك لا يخلو أن يكون بيعا مطلقا أو بيعا بشرط القطع أو بشرط التبقية. فأما بيعها قبل الزهو بشرط القطع فلا خلاف في جوازه إلا ما روي عن الثوري وابن أبي ليلى من منع ذلك. وهي رواية ضعيفة. وأما بيعها قبل الزهو بشرط التبقية فلا خلاف في أنه لا يجوز إلا ما ذكره اللخمي من جوازه تخريجا على المذهب. وأما بيعها قبل الزهو مطلقا، فاختلف في ذلك فقهاء الأمصار. فجمهورهم على أنه لا يجوز: مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والليث والثوري وغيرهم. وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك إلا أنه يلزم المشتري عنده فيه القطع لا من جهة ما هو بيع ما لم يره بل من جهة أن ذلك شرط عنده في بيع الثمر على ما سيأتي بعد.
أما دليل الجمهور على منع بيعها مطلقا قبل الزهو، فالحديث الثابت عن ابن عمر أن رسول الله (ص) نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمشتري فعلم أن ما بعد الغاية بخلاف ما قبل الغاية، وأن هذا النهي يتناول البيع المطلق بشرط التبقية، ولما ظهر للجمهور أن المعنى في هذا خوف ما يصيب الثمار من الجائحة غالبا قبل أن تزهى لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أنس بن مالك بعد نهيه عن بيع الثمرة قبل الزهو أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ لم يحمل العلماء النهي في هذا على الاطلاق: أعني النهي عن البيع قبل الازهاء بل رأى أن معنى النهي هو بيعه بشرط التبقية إلى الازهاء، فأجازوا بيعها قبل الازهاء بشرط القطع. واختلفوا إذا ورد البيع مطلقا في هذه الحال: هل يحمل على القطع وهو الجائز، أو على التبقية الممنوعة؟ فمن حمل الاطلاق على التبقية، أو رأى أن النهي يتناوله بعمومه قال: لا يجوز، ومن حمله على القطع قال: يجوز، والمشهور عن مالك أن الاطلاق محمول على التبقية، وقد قيل عنه إنه محمول على القطع.
وأما الكوفيون فحجتهم في بيع الثمار مطلقا قبل أن تزهى حديث ابن عمر الثابت أن رسول الله (ص) قال: من باع نخلا قد أبرت، فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع قالوا:
فلما جاز أن يشترطه المبتاع جاز بيعه مفردا، وحملوا الحديث الوارد بالنهي عن بيع الثمار قبل أن تزهى على الندب، واحتجوا لذلك بما روي عن زيد بن ثابت قال: كان الناس في عهد رسول الله (ص) يتبايعون الثمار قبل أن يبدو صلاحها، فإذا جد الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع: أصاب الثمر الزمان، أصابه ما أضر به قشام ومراض - لعاهات يذكرونها - فلما كثرت خصومتهم عند النبي قال كالمشورة يشير بها عليهم: لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحها وربما قالوا: إن المعنى الذي دل عليه الحديث في قوله حتى يبدو صلاحه هو ظهور الثمرة بدليل قوله عليه الصلاة والسلام أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ وقد كان يجب على من قال من الكوفيين بهذا القول ولم يكن يرى رأي أبي حنيفة في أن من ضرورة بيع الثمار القطع أن يجيز بيع الثمار قبل بدو صلاحها على شرط التبقية،