بيع بعضها بطيب البعض، وبدو الصلاح المعتبر عن مالك في الصنف الواحد من الثمر هو وجود الازهاء في بعضه لا في كله، إذا لم يكن ذلك الازهاء مبكرا في بعضه تبكيرا يتراخى عنه البعض بل إذا كان متتابعا، لان الوقت الذي تنجو الثمرة فيه في الغالب من العاهات هو إذا بدأ الطيب في الثمرة ابتداء متناسقا غير منقطع. وعند مالك أنه إذا بدا الطيب في نخلة بستان جاز بيعه وبيع البساتين المجاورة له إذا كان نخل البساتين من جنس واحد.
وقال الشافعي، لا يجوز إلا بيع نخل البستان الذي يظهر فيه الطيب فقط. ومالك اعتبر الوقت الذي تؤمن فيه العاهة إذا كان الوقت واحدا للنوع الواحد. والشافعي اعتبر نقصان خلقة الثمر، وذلك أنه إذا لم يطب كان من بيع ما لم يخلق، وذلك أن صفة الطيب فيه وهي مشتراة لم تخلق بعد، لكن هذا - كما قال - لا يشترط في كل ثمرة بل في بعض ثمرة جنة واحدة وهذا لم يقل به أحد، فهذا هو مشهور ما اختلفوا فيه من بيع الثمار. ومن المسموع الذي اختلفوا فيه من هذا الباب ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام من النهي عن بيع السنبل حتى يبيض والعنب حتى يسود، وذلك أن العلماء اتفقوا على أنه لا يجوز بيع الحنطة في سنبلها دون السنبل، لأنه بيع ما لم تعلم صفته ولا كثرته. واختلفوا في بيع السنبل نفسه مع الحب، فجوز ذلك جمهور العلماء: مالك وأبو حنيفة وأهل المدينة وأهل الكوفة، وقال الشافعي: لا يجوز بيع السنبل نفسه وإن اشتد، لأنه من باب الغرر وقياسا على بيعه مخلوطا بتبنه بعد الدرس. وحجة الجمهور شيئان: الأثر والقياس. فأما الأثر فما روي عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله (ص) نهى عن بيع النخيل حتى تزهى، وعن السنبل حتى تبيض وتأمن العاهة، نهى البائع والمشتري وهي زيادة على ما رواه مالك من هذا الحديث، والزيادة إذا كانت من الثقة مقبولة وروي عن الشافعي أنه لما وصلته هذه الزيادة رجع عن قوله، وذلك أنه لا يصح عنده قياس مع وجود الحديث. وأما بيع السنبل إذا أفرك ولم يشتد فلا يجوز عند مالك، إلا على القطع. وأما بيع السنبل غير محصود. فقيل عن مالك يجوز، وقيل لا يجوز، إلا إذا كان في حزمه. وأما بيعه في تبنه بعد الدرس فلا يجوز بلا خلاف فيما أحسب، هذا إذا كان جزافا، فأما إذا كان مكيلا فجائز عند مالك، ولا أعرف فيه قولا لغيره. واختلف الذين أجازوا بيع السنبل إذا طاب على من يكون حصاده ودرسه، فقال الكوفيون: على البائع حتى يعمله حبا للمشتري، وقال غيرهم: هو على المشتري. ومن هذا الباب ما ثبت أن رسول الله (ص) نهى عن بيعتين في بيعة وذلك من حديث ابن عمر وحديث ابن مسعود وأبي هريرة. قال أبو عمر: وكلها من نقل العدول.
فاتفق الفقهاء على القول بموجب هذا الحديث عموم، واختلفوا في التفصيل، أعني في الصورة التي ينطلق عليها هذا الاسم من التي لا ينطلق عليها. واتفقوا أيضا على بعضها، وذلك يتصور على وجوه ثلاثة: أحدها: إما في مثمونين بثمنين، أو مثمون واحد بثمنين،