توجد فيها هذه الضروب من الغرر بيوع منطوق بها وبيوع مسكوت عنها، والمنطوق به أكثره متفق عليه، وإنما يختلف في شرح أسمائها، والمسكوت عن مختلف فيه، ونحن نذكر أولا المنطوق به في الشرع، وما يتعلق به من الفقه، ثم نذكر بعد ذلك من المسكوت عنه ما شهر الخلاف فيه بين فقهاء الأمصار ليكون كالقانون في نفس الفقه: أعني في رد الفروع إلى الأصول. فأما المنطوق به في الشرع فمنه نهيه (ص) عن بيع حبل الحبلة ومنها نهيه عن بيع ما لم يخلق، وعن بيع الثمار حتى تزهى، وعن بيع الملامسة والمنابذة، وعن بيع الحصاة ومنها نهيه عن المعاومة، وعن بيعتين في بيعة. وعن بيع وشرط، وعن بيع وسلف، وعن بيع السنبل حتى يبيض والعنب حتى يسود ونهيه عن المضامين والملاقيح.
أما بيع الملامسة فكانت صورته في الجاهلية أن يلمس الرجل الثوب ولا ينشره، أو يبتاعه ليلا، ولا يعلم ما فيه وهذا مجمع على تحريمه، وسبب تحريمه الجهل بالصفة. وأما بيع المنابذة فكان أن ينبذ كل واحد من المتبايعين إلى صاحبه الثوب من غير أن يعين أن هذا بهذا، بل كانوا يجعلون ذلك راجعا إلى الاتفاق. وأما بيع الحصاة، فكانت صورته عندهم أن يقول المشتري: أي ثوب وقعت عليه الحصاة التي أرمي بها فهو لي، وقيل أيضا إنهم كانوا يقولون: إذا وقعت الحصاة من يدي فقد وجب البيع. وهذا قمار. وأما بيع حبل الحبلة ففيه تأويلان: أحدهما: أنها كانت بيوعا يؤجلونها إلى أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم ينتج ما في بطنها، والغرر من جهة الاجل في هذا بين، وقيل إنما هو بيع جنين الناقة، وهذا من باب النهي عن بيع المضامين والملاقيح. والمضامين: هي ما في بطون الحوامل، والملاقيح ما في ظهور الفحول، فهذه كلها بيوع جاهلية متفق على تحريمها، وهي محرمة من تلك الأوجه التي ذكرناها. وأما بيع الثمار، فإنه ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن بيعها حتى يبدو صلاحها وحتى تزهى ويتعلق بذلك مسائل مشهورة نذكر منها نحن عيونها. وذلك أن بيع الثمار لا يخلو أن تكون قبل أن تخلق أو بعد أن تخلق، ثم إذا خلقت لا يخلو أن تكون بعد الصرام أو قبله. ثم إذا كان قبل الصرام فلا يخلو أن تكون قبل أن تزهى أو بعد أن تزهى، وكل واحد من هذين لا يخلو أن يكون بيعا مطلقا أو بشرط التبقية أو بشرط القطع، أما القسم الأول: وهو بيع الثمار قبل أن تخلق فجميع العلماء مطبقون على منع ذلك، لأنه من باب النهي عن بيع ما لم يخلق، ومن باب بيع السنين والمعاومة. وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن بيع السنين وعن بيع المعاومة وهي بيع الشجر أعواما، إلا ما روي عن عمر بن الخطاب وابن الزبير أنهما كانا يجيزان بيع الثمار سنين. وأما بيعها بعد الصرام فلا خلا ف في جوازه، وأما بيعها بعد أن خلقت فأكثر العلماء على جواز ذلك على التفصيل الذي نذكره، إلا ما روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن. وعن عكرمة أنه لا يجوز إلا بعد الصرام، فإذا قلنا بقول الجمهور: إنه