أبو يوسف ومحمد: يكرر عليه اليمين ثلاثا، ويقضي عليه بالدية، فأما إذا كانت الدعوى في طلاق أو نكاح، فإن اليمين لا يثبت عنده في هذه الأشياء في جنبة المدعى عليه، ولا يتصور فيهما نكول، والخلاف مع أبي حنيفة في فصلين: أحدهما في الحكم بالنكول، والثاني في رد اليمين (1).
لنا بعد إجماع الإمامية وأخبارهم قوله تعالى {أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم} (2)، والمراد به بعد وجوب أيمانهم للإجماع على أن اليمين لا ترد بعد حصول يمين أخرى (3) فأثبت الله تعالى، يمينا مردودة بعد يمين، وهذا يبطل قول من لم يجز رد اليمين على حال، وما رووه من قوله (عليه السلام): المطلوب أولى باليمين، لأنه يدل على اشتراكهما في جواز المطالبة باليمين، وأن للمطلوب مزية عليه بالتقديم عليه، لأن لفظة (أولى) كلفظة (أفضل) وهي في اللغة تفيد تفضيل أحد الشيئين على الآخر فيما اشتركا فيه.
ولا يجوز الحكم إلا بما قدمناه من علم الحاكم أو ثبوت البينة على الوجه الذي قرره الشرع، أو إقرار المدعى عليه، أو يمينه أو يمين المدعي، دون ما سوى ذلك، مما لم يرد العمل به، من قياس ورأي واجتهاد أو كتاب حاكم آخر إليه، وإن ثبت بالبينة أنه كتابه أو قوله مشافهة ثبت له عندي كذا، لأنه إذا حكم بما ذكرناه تيقن براءة ذمته مما تعلق بها من الحكم بين الخصمين، وليس كذلك إذا حكم بما خالفه (4) ولقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} (5).
ولا يجوز الحكم بكتاب قاض إلى قاض، وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وأجازوه إذا ثبت أنه كتابه.
ومن أجاز كتاب قاض إلى قاض إذا قامت به بينة فإنهم اختلفوا في كيفية تحمل الشهادة. فقال أبو حنيفة والشافعي: لا يصح إلا بعد أن يقرأ [الحاكم] على الشهود ويشهد هما على نفسه بما فيه، ولا يصح أن يدرجه ثم يقول لهما اشهدا علي بما فيه ولا يصح (6) هذا التحمل ولا يعمل به. وقال أبو يوسف: إذا ختم بختمه وعنونه، جاز أن يتحملا الشهادة عليه مدرجا، فيشهدهما على أنه كتابه إلى فلان، فإذا وصل [223 / ب] الكتاب شهدا عنده بأنه،