وللشافعي قولان في الموضعين، أحدهما ما قلناه، والثاني: يلزم كل واحد خمسين يمينا في الموضعين (1) واعلم أن من دعي إلى تحمل الشهادة وهو من أهلها، فعليه الإجابة لقوله تعالى: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} (2)، فإذا تحملها لزمه أداؤها متى طلبت منه لقوله سبحانه: {ولا تكتموا الشهادة} (3)، وهو مخير فيما سمع أو شاهد من تحمله وإقامته وترك ذلك.
ولا يجوز لأحد أن يتحمل شهادة إلا بعد العلم بما يفتقر فيها إليه، ولا تجزيه مشاهدة المشهود عليه، ولا تحليته ولا تعريف من لا يحصل العلم بخبره، ولا يجوز له أداؤها إلا بعد الذكر لها، ولا يعول على وجود خطه، لقوله: {ولا تقف ما ليس لك به علم} (4)، ولأن الشاهد مخبر على جهة القطع بما يشهد به، وإخبار المرء على هذا الوجه بما لا يعلمه قبيح.
وتثبت شهادة الأصل بشهادة عدلين، وتقوم مقامها إذا تعذر حصول الأصل بموت أو مرض أو سفر، ولا يجوز إلا في الديون والعقود، ولا يجوز في الحدود (5).
قال الشيخ: يجوز أن يقبل شهادة الفرع مع تمكن حضور شاهد الأصل لأن أصحابنا قد رووا أنه إذا اجتمع شهادة الأصل وشهادة الفرع واختلفا فإنه تقبل شهادة أعدلهما، حتى أن في أصحابنا من قال: أنه تقبل شهادة الفرع وتسقط [222 / ب] شهادة الأصل، لأن الأصل يصير مدعى عليه، والفرع بينة المدعي للشهادة على الأصل.
وقال جميع الفقهاء: لا تجوز ذلك إلا مع تعذره، إما بالموت أو المرض المانع من الحضور أو الغيبة، واختلفوا في حد الغيبة، فقال أبو حنيفة: ما يقصر فيه الصلاة، وهو ثلاثة أيام. وقال أبو يوسف: هو ما لا يمكنه أن يحضره، ويقيم الشهادة، ويعود فيبت [في منزله]. وقال الشافعي: الاعتبار بالمشقة، فإن كان عليه مشقة في الحضور حكم بشهادة الفرع، وإن لم تكن مشقة لم يحكم، والمشقة قريبة بما قاله أبو يوسف (6).
يثبت القصاص بالشهادة على الشهادة، بدلالة عموم الأخبار في جواز الشهادة على الشهادة، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يثبت (7).