البتي، وقال أبو حنيفة وأصحابه تسقط شهادته، فلا تقبل أبدا، وبه قال شريح والحسن البصري والنخعي والثوري.
فالكلام مع أبي حنيفة في فصلين: فعندنا وعند الشافعي ترد شهادته بمجرد القذف، و عنده لا ترد بمجرد القذف حتى يجلد، فإن جلد ردت بالجلد لا بالقذف. والثاني: إن عندنا تقبل شهادته إذا تاب، وعنده لا تقبل ولو تاب ألف مرة.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا} فذكر القذف وعلق وجوب الجلد ورد الشهادة به، فثبت أنهما يتعلقان به.
ويدل على أن شهادتهم لا تسقط أبدا، قوله تعالى في سياق الآية: {وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} (1)، والخطاب إذا اشتمل على جمل ثم تعقبها استثناء، رجع الاستثناء إلى جميعها، إذا كانت كل واحدة منها [مما لو انفردت راجع] إليها كقوله: امرأتي طالق، وعبدي حر وأمتي، إن شاء الله فإنه رجع الاستثناء إلى الكل، فكذلك في الآية (2).
ومن شرط التوبة [من القذف] أن يكذب نفسه حتى يصح قبول شهادته فيما بعد، بلا خلاف بيننا وبين أصحاب الشافعي. إلا أنهم اختلفوا فقال أبو إسحاق، وهو الصحيح عندهم: التوبة أن يقول: القذف باطل، ولا أعود إلى ما قلت. وقال الإصطخري: التوبة إكذابه نفسه، وحقيقة الإكذاب أن يقول: كذبت فيما قلت (3).
وإذا أكذب نفسه وتاب، لا تقبل شهادته حتى يظهر منه العمل الصالح، لقوله تعالى:
{إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا} (4)، وهو أحد قولي الشافعي إلا أنه اعتبر ذلك ستة أشهر أو سنة، ونحن لا نعتبر في ذلك مدة لأنه لا دليل عليهما، والقول الآخر: أنه يكفي مجرد الإكذاب (5).
روي أن عمر بن الخطاب جلد أبا بكرة (6) حين شهد على المغيرة بالزنا ثم قال له: تب