يفرق بين الواحد والجماعة، وأيضا قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة} (1) لأن المعنى أن القاتل إذا علم أنه إذا قتل يقتل كف عن القتل، وكان في ذلك حياته وحياة من هم بقتله، وسقوط القود بالاشتراك في القتل يبطل المقصود بالآية، وقوله تعالى: {النفس بالنفس} (2) و {الحر بالحر} (3) المراد به الجنس لا العدد، فكأنه قال: إن جنس النفوس يؤخذ بجنس النفوس وجنس الأحرار يؤخذ بجنس الأحرار.
ولا تجب الدية [202 / أ] في قتل العمد مع تكامل الشروط الموجبة للقود، فإن بذلها القاتل ورضي بها ولي الدم جاز ذلك، وسقط حقه من القصاص (4).
ولا تثبت له الدية على القاتل بغير رضاه، وإنما يثبت المال على القاتل إذا اصطلحوا على مال، قليلا كان أو كثيرا، فأما ثبوت الدية بغير رضاه فلا، وبه قال أبو حنيفة ومالك، وللشافعي فيه قولان: أحدهما: أن موجب القتل أصلان: القود أو الدية وهو اختيار أبي حامد.
والقول الثاني: موجبه القود فقط، والولي بالخيار بين أن يقتله أو يعفو، فإن قتل فلا كلام، وإن عفا على مال سقط القود وتثبت الدية بدلا عن القود، فتكون الدية على هذا بدلا عن بدل، وعلى القولين معا تثبت الدية بالعفو سواء رضي الجاني ذلك أو سخط، وبه قال في التابعين: سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء، وفي الفقهاء أحمد وإسحاق (5).
ومتى هرب قاتل العمد، ولم يقدر عليه حتى مات، أخذت الدية من ماله، فإن لم يكن له مال، أخذت من الأقرب فالأقرب من أوليائه الذين يرثون الدية.
ويقتل واحد بجماعة فإن اختار أولياء الدم قتله، فلا شئ لهم غيره، فإن تراضوا بالدية فعليه من الديات الكاملة بعدد من قتل، وإن أراد بعض الأولياء القود وبعض الدية، كان لهم ذلك، وإن عفا بعضهم سقط حقه، وبقي حق من لم يعف على مراده (6) وإن بادر واحد منهم فقتله، سقط حق كل واحد من الباقين، وبه قال الشافعي إلا أنه قال: يسقط حق الباقين إلى بدل، وهو كمال الدية في ماله خاصة.
وقال: أبو حنيفة: يتداخل حقوقهم من القصاص، وليس لواحد منهم أن ينفرد بقتله بل يقتل بجماعتهم، فإن قتلوه فقد استوفوا حقوقهم، وإن بادر واحد فقتله فقد استوفى حقه،