وفيهم من قال: يجب عليه بالعوض، فأما بلا عوض فلا.
دليلنا ما رواه أبو هريرة أن النبي (عليه السلام) قال: من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته يوم القيامة، وفيه أدلة: أحدها: أنه توعد على المنع. والثاني أنه يجب عليه البذل بلا عوض. والثالث: أن الفاضل هو الذي يجب عليه بذله. وروى ابن عباس أن النبي (عليه السلام) قال:
الناس شركاء في ثلاث: الماء والنار والكلاء، وروي جابر أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن بيع فضل الماء ولا يمكن حمله إلا على هذا الموضع (1).
ولمن أحيا البئر من حريمها ما يحتاج إليه في الاستقاء، من آلة ومطرح الطين، وروى أصحابنا أن حد ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعا، وما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستون ذراعا، وما بين بئر العين إلى بئر العين في الأرض الصلبة خمس مئة ذراع، وفي الرخوة ألف ذراع، وعلى هذا لو أراد غيره حفر بئر إلى جانب بئره، ليسرق منه الماء، لم يكن له ذلك بلا خلاف، ولا يجوز له الحفر إلا أن يكون بينهما الحد الذي ذكرناه (2).
في حريم البئر وحريم العين وافق أبو حنيفة. وقال الشافعي: على قدر الحاجة إليه، ولم يحده، بل قال: على ما جرت به العادة (3).
وأما من حفر بئرا في داره، أو في أرض له مملوكة فله ذلك، ولا يجوز له منع جاره من حفر بئر أخرى في ملكه، ولو كانت بئر بالوعة تضر به، بلا خلاف أيضا، والفرق بين الأمرين أن الموات يملك التصرف فيه بالإحياء فمن سبق [134 / أ] إلى حفر البئر صار أحق بحريمه، وليس كذلك الحفر في الملك، لأن ملك كل واحد منهما مستقر ثابت، فجاز له أن يفعل ما شاء فيه.
ومن قرب إلى الوادي أحق بالماء المجتمع فيه من السيل ممن بعد عنه، وقضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) للأقرب إلى الوادي بحبس الماء للنخل إلى أن يبلغ في أرضه إلى أول الساق، وللزرع إلى أن يبلغ إلى الشراك، ثم يرسله إلى من يليه ثم هكذا يصنع الذي يليه مع جاره.
ولو كان زرع الأسفل يهلك إلى أن يصل إليه الماء، لم يجب على من فوقه أن يرسل إليه حتى يكتفي ويأخذ منه القدر الذي ذكرناه (4).