لقوله (عليه السلام): من أحيا أرضا ميتة فهي له، والمراد بذلك ما ذكرناه من كونه أحق بالتصرف فيها لأنه لا يملك رقبة الأرض بالإذن في إحيائها.
وليس لأحد أن يغير ما حماه النبي (صلى الله عليه وآله) من الكلأ (1)، وقال الشافعي: ينظر، فإن كان السبب الذي حماه رسول الله باقيا لم يجز نقضه وتغييره، وإن لم يبق، ففيه وجهان (2).
لنا أن فعل النبي (عليه السلام) حجة في الشرع يجب الاقتداء به كقوله، على أن ذلك لمصلحة المسلمين، وما قطع على أنه لمصلحتهم لم يجز نقضه.
وللإمام أيضا أن يحمي من الكلأ لنفسه، ولخيل المجاهدين ونعم الصدقة والجزية والضوال ما يكون في الفاضل عنه كفاية لمواشي المسلمين، وليس لأحد الاعتراض عليه، ولا نقض ما فعله (3)، وقال الشافعي: إن أراد لنفسه لم يكن له ذلك، وإن حماه للمسلمين ففيه قولان: الصحيح أن له ذلك وبه قال أبو حنيفة.
لنا أن الإمام عندنا يجري في وجوب الاقتداء به [133 / ب] مجرى الرسول، ولأنا قد بينا أن الموات ملك له، ومن ملك أرضا فله حمايتها بلا خلاف، وما رووه من أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
لا حمى إلا لله ولرسوله ولأئمة المسلمين، يدل على ما قلناه صريحا (4).
ولا يجوز للإمام أن يقطع شيئا من الشوارع والطرقات ورحاب الجوامع، لأن هذه المواضع لا يملكها واحد بعينه، والناس فيها مشتركون، فلا يجوز له - والحال هذه - إقطاعها (5).
وقال الشافعي: للسلطان أن يقطع ذلك (6).
والماء المباح يملك بالحيازة، سواء حازه في إناء، أو ساقه إلى ملكه في نهر أو قناة، أو غلب بالزيادة فدخل إلى أرضه، وهو أحق بماء البئر التي ملك التصرف فيها بالإحياء، وإذا كانت في البادية، فعليه بذل الفاضل عن حاجته لغيره، لنفسه ولماشيته، ليتمكن من رعي ما جاور البئر من الكلأ المشترك، وليس عليه بذله لزرعه، ولا بذل آلة الاستقاء (7)، بل يستحب له ذلك وبه قال الشافعي، وفي الناس من قال: يجب عليه بذله بلا عوض لشرب الماشية، ولسقي الزرع.