ومن صد بعدو أو أحصر بمرض فلم يستطع النفوذ لأداء المناسك، فإن كان قارنا أنفذ هديه (1)، وإن كان متمتعا أو مفردا أنفذ ما يبتاع به الهدي، فإذا بلغ محله، وهو يوم النحر، فليحلق رأسه، ويحل إن كان مصدودا بعدو من كل شئ أحرم منه، وإن كان محصورا بمرض تحلل من كل شئ إلا النساء حتى يطوف طوافهن من قابل أو يطاف عنه، والدليل على ذلك الإجماع الماضي ذكره و أيضا قوله تعالى: * (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) * (2) وذلك عام في المرض والعدو معا.
وليس لأحد أن يقول: الآية خاصة في الإحصار بالعدو، لأنها نزلت بسبب صد المشركين عام الحديبية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وللمسلمين عن البيت، لأن الكلام إذا خرج على سبب لم يجز قصره عليه، بل يجب حمله على عمومه، وإدخال السبب فيه، على ما بيناه فيما مضى من أصول الفقه، ويؤيد ذلك في هذا الموضع، أنه تعالى لو أراد الإحصار بالعدو خاصة، لقال: " فإن حصرتم " لأنه اللفظ المختص بالعدو دون المرض، ولم يقل * (أحصرتم) * من الإحصار المشترك بينهما.
قال الكسائي والفراء وأبو عبيدة وثلعب وأكثر أهل اللغة: يقال: أحصره المرض لا غير، وحصره العدو وأحصره أيضا، وليس لأحد أن يقول: قوله تعالى في سياق الآية: * (فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة) * (3) دليل على أنه أراد الإحصار بالعدو، ولأن الأمن قد يكون من المرض، وهو أن يأمن زيادته، على أن لفظ الإحصار إذا كان حقيقة في المرض والعدو، كان قوله تعالى: * (فإذا أمنتم) * راجعا إلى بعض ما يتناوله العموم، وهذا لا يمتنع من دخول غير ما تعلق التخصيص في الخطاب.
ولا يجوز ذبح هدي الإحصار إلا بمحله من البيت أو منى مع الاختيار، و مع الضرورة يجوز ذبحه بحيث هو، بعد أن ينتظر به بلوغ محله، وهو يوم النحر،