فأما الصوم النفل فيجوز النية له إلى بعد الزوال (1) بدليل ما قدمناه من الإجماع المتكرر، وأيضا قوله تعالى: * (وأن تصوموا خير لكم) * (2)، لأنه يتناول ما قبل الزوال وبعده، وليس لأحد من المخالفين أن يقول: كيف تؤثر النية المتأخرة فيما مضى من النهار خاليا منها؟ لأن ما مضى يلحق في الحكم بما يأتي، كما يقوله الأكثر منهم فيمن نوى (3) التطوع قبل الزوال، وليس لهم أن يقولوا: قبل الزوال مضى أقل العبادة وليس كذلك بعد الزوال، لأن النية إذا أثرت فيما مضى خاليا منها حكما فلا فرق بين الأكثر والأقل.
وقد أجاز أبو حنيفة والشافعي وغيرهما أن يصير لصلاة المفرد حكم الجماعة بالنية المستأنفة، ولم يفرقوا (4) بين مضي الأكثر منها والأقل، فما أنكروا من مثل ذلك هاهنا، ولا يلزم جواز النية في آخر جزء من اليوم، لأنها يجب أن تكون بحيث يصح وقوع الصوم بعدها، وهذا لا يتأتى في آخر جزء.
ونية القربة تجزئ في صوم رمضان، ولا يفتقر إلى نية التعيين بدليل الإجماع الماضي ذكره، وأيضا قوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * (5) فأمر بالإمساك فيه، ومن أمسك مع نية القربة ممتثل للمأمور به فيجب أن تجزئه، وأيضا فنية التعيين يفتقر إليها في زمان الصوم الذي يصح أن يقع الصوم فيه على وجهين، كالصوم الواجب في الذمة مثل صوم القضاء والنذر وغير متعين بيوم مخصوص وغير ذلك من أنواع الصوم الواجب، وكصوم النفل.
فأما شهر رمضان فلا يصح أن يقع الصوم فيه إلا عن الشهر، حتى أنه لو