مع ثبوت العهدة، فكيف يتوقف ثبوت العهدة على المطالبة؟!
فإن قلت: العهدة تثبت بمجرد وضع اليد، غاية الأمر أن وجوب رد العين ما دامت موجودة مقيد بالمطالبة، ووجوب دفع البدل مقيد بالتلف والرجوع، وإن كانت قاعدة اليد مطلقة من هاتين الجهتين في حالتي العين، فمن يرى جواز التمسك بالعموم لما قدمناه سابقا (1) من أنه لا تخصيص في البين، بل تقييد بالإضافة إلى الحالتين فله التمسك بقاعدة اليد في وجوب دفع البدل الواقعي بعد الرجوع، ومن لا يرى ذلك فله استصحاب عدم وجوب البدل بعد الرجوع كما كان قبل الرجوع.
قلت: إذا لم يجب دفع البدل مطلقا فلا أثر لعهدة العين بعد تلفها، فاعتبارها لغو محض، فاثبات العهدة بسبب اليد يقتضي الالتزام بأثرها، لا إلغاء آثارها رأسا، فلا معنى للشك في عدم وجوب دفع البدل حتى بعد الرجوع.
إلا أن يقال: إن قاعدة اليد تثبت أصل العهدة، وأن غرامة المأخوذ باليد وخسارته على ذي اليد، لا أنها تثبت العهدة والغرامة بالمثل والقيمة، حتى يلزم من نفي الغرامة بالمثل والقيمة رأسا نفي العهدة من أصلها، غاية الأمر أن الطريقة العرفية الممضاة شرعا نوعا على تعين الغرامة في البدل الواقعي، ولا مانع من تعيين الغرامة في المسمى جعلا من الشارع، فلا يلزم لغوية العهدة، وعليه فثبوت أصل العهدة بعموم على اليد، وثبوت إحدى الخصوصيتين بأصل أو دليل آخر.
فإذا قلنا بحكومة أصالة السلطنة على أصالة عدم الضمان بالبدل الواقعي، فأصالة السلطنة توجب عدم تعين الباقي للبدلية، وحيث إن أصلها ثابت بثبوت العهدة يجب الخروج عن العهدة عقلا بالمثل والقيمة، حيث لا مخرج سواهما، كما أن العموم بنفسه ليس دليلا على الضمان بالمثل والقيمة، فلا مانع من جريان أصالة البراءة عنهما، فبضميمة العموم المثبت لأصل العهدة يتعين الباقي للبدلية للتالف، حيث لا يحتمل بدلية غيره بعد نفي بدلية المثل والقيمة بالأصل، إلا أنه على أي حال لا تكون قاعدة اليد مانعة عن جريان شئ من الأصلين، وإن كان موجبا لتمانعهما،