ويندفع الثاني: بتوضيح القول فيه بأن الظفر بالمقيد يوجب الكشف عن إرادة المقيد جدا، فعدم القيد الذي كان من مقدمات الاطلاق قد انقلب إلى نقيضه، ولا موجب للكشف عن فقد مقدمة أخرى للاطلاق - وهو كونه في مقام البيان -، ومن الواضح أن عدم القيد الذي هو جزء مقتضي الاطلاق ليس عدم القيد إلى الأبد، بل عدم القيد في مقام البيان، وليس المراد بمقام البيان مقام القاء الكلام كما عليه شيخنا الأستاذ (1)، فإنه وإن أمكن أن يقوم مقام بيان مرامه بشخص كلامه إلا أنه لا ملزم بهذا الالتزام، بل المراد بمقام البيان أعم من مقام إلقاء الكلام إلى زمان إنفاذ المرام، فإذا ورد القيد قبل زمان الحاجة كان واردا في مقام بيان المرام، وكان عدمه إلى هذا الوقت مقوما لمقتضى الاطلاق، وأما إذا ورد بعده فالمعارضة بين كلامين قد انعقد لهما ظهور، وكان تقديم المقيد على المطلق من باب تقديم أقوى الحجتين على أضعفهما، كالخاص على العام.
وحينئذ فحال المقيد حال المخصص في عدم سريان إجماله إلى العام بعد انقضاء مقام البيان، كما أن حال المخصص حال المقيد إذا ورد قبل زمان الحاجة في عدم حجية الظهور العمومي، وعدم دلالته على مراده الجدي إذا كان من عادة المتكلم إفادة مرامه ولو بشخصين من كلامه.
وإنما الفرق بينهما في انعقاد نفس الظهور في العام دون المطلق، فالمخصص المنفصل مانع عن كاشفية الظهور العمومي عن المراد الجدي، والمقيد بكون عدمه في مقام البيان جزء مقتضي الاطلاق.
والفرق بين المخصص المنفصل الوارد قبل زمان الحاجة والوارد بعده أن الأول مانع عن كاشفية العام نوعا عن المراد الجدي وإن كان تام الظهور وضعا واستعمالا، بخلاف الثاني فإن العام قد تم كشفه عن المراد الجدي، والمخصص يقدم عليه من باب تقديم أقوى الحجتين على أضعفهما.
وعليه فالأمر في المخصص والمقيد الواردين بعد مضي مقام بيان المراد الجدي