وبالجملة: فالالتزام بالتمليك الحقيقي في هذه الموارد لا يخلو عن تكلف وتعسف، ولا ملزم به إلا اشتهار تعريف البيع بالنقل والتبديل والتمليك.
ولا يبعد أن يقال: إن البيع جعل شئ بإزاء شئ، فيختلف أثره بحسب الموارد، فأثره تارة ملكية العوضين كما في غالب أفراده، وأخرى انقطاع إضافة الجاعل عن المبيع، وحيث إنه لا يعقل دخوله في ملك المشتري فينعتق كما في البيع ممن ينعتق عليه، فإن الانعتاق ليس إلا زوال ملكية المالك عن العبد، وثالثة ذلك الانقطاع مع كونه كليا غير قابل للدخول في ملك المشتري، فهو عين سقوط ما في الذمة كما في بيع الدين ممن هو عليه، ورابعة قيام كل من العوضين مقام الآخر فيما له من التعلق والإضافة بأحد أو بجهة، كالآلات المشتراة من غلة العين الموقوفة، فتكون الآلات كالمسجد والقنطرة متعلقة بتلك الجهة، وتكون الغلة مملوكة لمالك الآلات، وكذا في اشترائها من الزكاة.
فأثر المعاملة البيعية هي الملكية من الطرفين في المورد القابل، وأما في غيرها فأثرها إما الانعتاق أو السقوط أو الوقفية، لصيرورة المال بدلا عن الموقوف، وليس المراد من جعل شئ في قبال شئ إلا في قبال المجانية كالهبة، فلا مانع من جعل المال بإزاء سقوط الحق بطور النتيجة، أو جعله بإزاء كون العوض لزيد، وعلى هذا الاطلاق يقال " باع فلان دينه بدنيا غيره "، وهذا المسلك وإن كان غير معروف ولا مألوف إلا أن المتبع هو البرهان، والله المستعان.
- قوله (قدس سره): (منها أنه موقوف على جواز الايجاب... الخ) (1).
لا يخفي عليك أنه لا ملازمة بين جواز الايجاب وجواز التعريف، لامكان إناطة التسبيب بألفاظ صريحة، بل بعين عنوان ذلك العقد أو الايقاع، ألا ترى أن إيقاع الطلاق منوط بعنوان هي طالق، مع أن الطلاق ليس إلا البينونة التي لا يقع بها الطلاق شرعا، بل جواز التعريف منوط باتحاد الحد والمحدود ذاتا ومفهوما مع اختلافهما