عرفت من أن صحة الرهن لا تنفك عن لزومه، دون الجواز في المعاطاة فإنه ليس مقوما لها، ولا مانع إلا الاجماع على أن المعاطاة جائزة، والاجماع على أن العقود اللازمة تتوقف على اللفظ، وليس شئ منهما بمانع عند التأمل.
أما الأول: فلأنه ليس دليلا على الفساد، بل دليل على الجواز الدال بالالتزام على الصحة، فالاستدلال به على فساد المعاطاة في الرهن غير صحيح، بل يصح الاستدلال به على الجواز فيما لم يكن صحته ملازمة للزومه، فلا يعم معقد الاجماع المزبور لمثل الرهن، لا أنه يعمه ويكون دليلا على فساده بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، وأما إذا قلنا بأن معقد الاجماع المزبور هو التعاطي البيعي الذي هو محل الكلام بين الأعلام فالأمر أوضح.
وأما الثاني: فإن كانت العقود اللازمة معرفة لذوات المعاملات اللازمة في حد ذاتها فهو دليل الفساد في كل معاملة لازمة بالطبع كالبيع والإجارة وأشباههما، وإن لم تكن بعنوان المعرفية بل كان الحكم معلقا على حيثية اللزوم - بمعنى أن لزومها يتوقف على اللفظ - فمن الواضح أنه لا يعم مثل الرهن الذي لا تنفك حيثية صحته عن حيثية لزومه، ومن البين أن الحكم الذي تكفله الاجماع حكم فعلي لا اقتضائي، حتى يتوهم أن الرهن من حيث صحته لا يتوقف على اللفظ ومن حيث لزومه يتوقف عليه، فلا محالة يكون الاجماع المزبور دليلا على التوقف فيما يتبادل فيه اللزوم والجواز مع انحفاظ نفوذه وصحته على كل حال.
جريان المعاطاة في الوقف وعدمه ومنها: الوقف وقد عرفت (1) سابقا أن صدقه على انشائه بالفعل لا شبهة فيه، والسيرة قائمة عليه أيضا، كما هو المشاهد في بناء المشاهد والمساجد والقناطر والمدارس والخانات، وما يتعلق بالمساجد والمشاهد من الفرش والسرج والقناديل