وثانيا: أن حقيقة الإجارة - وهي جعل الشئ بالأجرة - يستدعي تعلقها حقيقة بالمنفعة، لأن الأجرة بإزاء المنفعة والعمل كالثمن بإزاء العين، فمرجع جعل العين في الكراء جعلها بلحاظ منفعتها في الكراء، لأن الكراء عوض المنفعة لا عوض العين، والأجرة وإن كانت للعامل إلا أنها بإزاء العمل لا بإزاء العامل، فالمقابلة في قولهم " أجرتك الدار بكذا " وإن كانت بين الدار والأجرة، إلا أن المقابلة بالحقيقة بين المنفعة والأجرة، لما مر (1) من أن الأجرة عوض المنفعة، كالثمن فإنه عوض العين، فالمورد الحقيقي في الإجارة نفس المنفعة دون العين.
- قوله (قدس سره): (وحيث كانت في صحيح الإجارة أمانة... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن عقد الإجارة إذا كان من حيث ضمان العين لا اقتضاء، وكان الضمان بسبب اليد والاستيلاء على العين، فيقع الكلام في أن الإجارة من حيث نفسها أو من حيث مقتضاها رافعة للضمان بسبب اليد أم لا؟.
فنقول: التأمين الحقيقي المالكي استنابة الغير لحفظه المال كما أن التأمين الشرعي أيضا كذلك، فالأول كعقد الوديعة، والثاني كحكم الشارع على الولي بحفظ مال القصر، ومن الواضح أن كون العين أمانة من قبل المالك أو الشارع مفروض العدم.
نعم هنا معنى آخر بمنزلة التأمين وهو تسليط الغير على ماله برضاه، فالاستيلاء على العين برضا المالك كاستيلاء نفس المالك عرفا، واليد المأذونة من قبل المالك غير مضمنة في الطريقة العرفية، فكذا لا يعمه على اليد الوارد مورد إمضاء الطريقة العرفية، وأما الإذن الشرعي بل الوجوب الشرعي فلا ينافي كون الاستيلاء بلحاظ عدم المأذونية من قبل المالك مضمنا، لدخوله تحت على اليد من دون موجب في الطريقة العرفية لخروجه، كما أنه لا موجب لتوهم كونه تأمينا شرعا بمعنى الاستنابة في الحفظ بمجرد الترخيص في التصرف شرعا.