باللفظ المستعمل في مفهوم ملزوم لما يريد إيجاده حقيقة، كما إذا قال " خذه " أو " تصرف فيه " مريدا به تمليكه، فالمراد الاستعمالي الانشائي غير المراد الجدي التسبيبي، لكن السبب قولي لا فعلي ولا مركب منهما، وكفى في تأكد المعاهدة في مقام التسبب بأن يكون سببه قوليا، فمن حيث دلالة اللفظ على المعنى وإن كانت مع الواسطة، لكنه من حيث الدلالة بمعنى آخر - وهي دلالة السبب على مسببه - بلا واسطة، فالسبب القولي دال بلا واسطة على المسبب كما في غيره، وإن إمتاز أحدهما عن الآخر من وجه آخر، هذه غاية تقريب وقوع العقد بالمجازات مطلقا وبالكنايات.
ويمكن أن يقال: إن المنع عن التسبب بالأفعال ليس إلا بملاحظة أنها في حد ذاتها قاصرة الدلالة على المقاصد نوعا، لا بلحاظ أمر آخر وشخصا، فكل ما كان سبيله هذا السبيل كان حكمه من هذا القبيل، وإن كان قولا لوحدة الملاك، فالقرينة إذا كانت لفظية فمجموع الكلام له ظهور عرفي نوعا في المقصود، وكذا إذا كانت حالية محسوبة من اللفظ لاحتفافه بها، وأما إذا لم تكن كذلك فاللفظ الصادر بحسب نوعه لا دلالة له على المقصود كالفعل، وإن كان شخصا وبالعرض تام الدلالة من غير فرق بين المجاز والكناية، وكذا بين المجاز القريب والبعيد.
ثم إنه بعد ما تحقق العهد المؤكد موضوعا يقع الكلام في الدليل على نفوذ كل عهد مؤكد ووجوب الوفاء، وما يستدل به على ذلك ليس إلا قوله تعالى * (أوفوا بالعقود) * (1) فإن كان عموم العقود من باب مقابلة الجمع بالجمع كما في قوله تعالى * (فاغسلوا وجوهكم) * (2) فالمراد تكليف كل مكلف بالوفاء بعقده، فلا بد من التمسك بإطلاق العقد أفرادا وأحوالا.
وإن قلنا بأن الموجب لصرف العموم إلى مقابلة الجمع بالجمع في قوله تعالى * (فاغسلوا وجوهكم) * هي القرينة، إذ ليس لكل مكلف إلا وجه واحد، بخلاف العقود