فأعرض عنه (ص)، ففزع أبو لبابة، وارتبط بالسارية (1).
فهذا يعني: أن رسول الله بقي عاتبا عليه بما فعله يوم بني قريظة، إلى غزوة تبوك، فلو كان أبو لبابة قد تاب وارتبط إلى سارية المسجد، ثم إن الله قبل توبته، وحله رسول الله (ص) بيده، فلماذا يبقى عاتبا عليه بعد ذلك كل هذه المدة. وهل يمكن أن يرضى الله عن أبي لبابة، ويبقى الرسول غاضبا عليه؟! كما أن رواية البيهقي والسيرة الحلبية تكاد تكون صريحة في أنه لم يتب مما فعله في بني قريظة.
ثامنا: إن نفس ما يذكرونه هنا، من أن أبا لبابة ارتبط في المسجد إلى أسطوانة التوبة، حتى نزلت توبته في الآيات المتقدمة، ولم يرض بفك نفسه إلا أن يتوب الله عليه. فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاما ولا شرابا، حتى خر مغشيا عليه، ثم تاب الله عليه وجرى ما جرى من حل رسول الله (ص) له، إنما كان في غزوة تبوك (2).
تاسعا: قد ذكرت روايات توبة أبي لبابة: أنه كان لا يأكل ولا يشرب مع أنه قد تقدم أن ابنته كانت تأتيه بالتمرات، فيلوك منهن ويترك، إلا أن يقال: إن ذلك كان يسيرا، لا يعتد به.
عاشرا: ذكرت الروايات المتقدمة: أنه لم يرجع إلى النبي (ص) بل أخذ طريقا إلى المسجد من وراء الحصن، فربط نفسه فيه. مع أن رواية البيهقي والحلبي السابقة تقول: إنه عاد إلى النبي (ص)، فطالبه النبي (ص) بما فعل، وأن النبي (ص) بقي عاتبا عليه إلى غزوة تبوك.
حادي عشر: زعمت الرواية السابقة: أن النبي (ص) قد استعمل