تحكيم ابن معاذ لطف إلهي:
ولا ننسى هنا: أن تحكيم سعد بن معاذ بالذات له دلالته الهامة، فإن ذلك من التوفيقات والألطاف الإلهية بالمسلمين. وذلك من أكثر من جهة.
1 - فمن جهة كان سعد رئيس الأوس - بل كان سيد الأوس وغيرهم، كما أشار إليه النبي (ص) بقوله للصحابة: قوموا إلى سيدكم.
ونود أن نمعن النظر جيدا في تأكيد النبي على سيادة سعد هنا، ثم أمره الصحابة بأن يقوموا لسيدهم.
وإذا حكم الرئيس، فإن الجميع يرى حكمه ملزما ونافذا، ويراه صادرا وفق مصلحة مرؤوسيه، ومن خلال حسابات دقيقة، وعن إشراف تام على مختلف الحيثيات التي ينبغي ملاحظتها في حكم خطير كهذا، فليس ثمة أية رعونة في اتخاذ القرار، ولا يعاني القرار من جهل في الحيثيات الموضوعية والاجتماعية والسياسية التي لا بد من أخذها بنظر الاعتبار في إصدار أي حكم.
2 - ومن جهة ثانية: فإن هذا الحكم من سعد كما أنه أحرق كل خيوط الأمل لبني قريظة، فإنه أيضا قد أحرق قلوبهم، لأنه جاء من أولئك الذين يرون أنهم يهتمون بالحفاظ على حياتهم أكثر من الآخرين.
وإذ بهم يهتمون بالقضاء عليهم ويصرون على ذلك فيحكمون عليهم بالموت، ثم يشاركون - عملا - في تنفيذ ذلك الحكم الصادر.
فأي فجيعة لهم، أكثر من تلك الفجيعة، التي زادها ألما وضرما، ما يرونه من رسوخ الدعوة المحمدية، وعلو نجمها، واشتداد شوكتها، واتساع نفوذها يوما بعد يوم، بل وساعة بعد ساعة