أبطنوه من ختل وغدر، ويحق الله الحق بكلماته، وليخزي الفاسقين، بفضل صبر الرسول " صلى الله عليه وآله " وأناته.
ثم جاء أهل الحديث والرواية فذكروا كل واحدة مما تقدم على أنها سبب مستقل، لما جرى على هؤلاء الغدرة الفجرة، مع الذهول عن أن تكرر ذلك منهم قد جعل من مجموع تلك الأسباب والعوامل سببا واحدا لما حصل..
رواية لا يعتمد عليها:
وتقدم في الفصل الأول من هذا الباب رواية تقول: إنهم حين جاءهم الرسول " صلى الله عليه وآله " ومعه بعض أصحابه. فكروا في أن يقتلوه، ويأخذوا من جاء معه من أصحابه أسرى، ويبيعوهم من أهل مكة.
ونحن نشك في هذه الرواية أيضا: فإن أسر من جاء معه وبيعهم إلى أهل مكة، معناه إثارة حرب طاحنة فيما بين بني النضير، وبين الأوس والخزرج، ومن معهم من سائر المسلمين، ولن يمكنهم الوصول بهم إلى مكة قبل أن تندر الرؤوس، وتطيح الأيدي، وتخرب البلاد، وتهلك، العباد..
وقد جرب اليهود حظهم مع الأوس والخزرج فيما سبق، واستطاع هؤلاء أن يخرجوا أولئك من المدينة ليعيشوا حواليها، وفي أطرافها. وقد كان هذا وأمر اليهود مجتمع: فكيف تكون الحال بعد أن أجلي منهم بنو قينقاع مع كون العلاقات بين بني قريظة والنضير غير متكافئة ولا طبيعية بسبب التمييز الظالم لبني النضير عليهم، حسبما أوضحناه حين الحديث، حول كونهم بمنزلة بني المغيرة في قريش كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وبعد أن أصبح بنو النضير أضعف ناصرا وأقل عددا، فإن التفكير بهذا الأمر يصبح في عداد المحالات والممتنعات..