القرار الحكيم:
لقد كان من المتوقع - بعد نقض بني النضير للعهد، وخيانتهم الظاهرة - أن يكون قرار النبي " صلى الله عليه وآله " هو حربهم وقتالهم، وابادة خضرائهم: فإن ذلك هو الجزاء العادل لكل خائن وغادر، ولا سيما إذا كان يخطط ويتآمر، ثم يعمل على تنفيذ خططه بضرب الإسلام في الصميم، على مستوى ضرب مقام النبوة والقيادة في أعلى مستوياتها، وأخلص تجلياتها.
ولكن الملاحظ هو أن الرسول الأعظم " صلى الله عليه وآله " قد آثر أن يعامل بني النضير - كما عامل بني قينقاع قلبهم - بمزيد من الرفق والتسامح، ولعل ذلك يرجع إلى الأمور التالية:
1 - إن هؤلاء القوم قد عاشوا دهوا في هذه المنطقة، وأصبحت لديهم الكثير من العلاقات الاقتصادية والتجارية، وغيرها، إلى جانب علاقات الصداقة والمحبة مع سائر أهل البلاد الذين قبل كثير منهم الإسلام دينا وهواهم الله للايمان..
وإذن.. فقد يعز على الكثيرين ممن لهم معهم علاقات كهذه أن يروهم وقد حاقت بهم المصائب والبلايا، واختطفت الكثيرين منهم أيدي المنايا، فيعتبرون أنهم قد عوملوا بقسوة بالغة، وبلا شفقة ولا رحمة، وقد كان يمكن أن يكون الموقف أكثر مرونة وانعطافا وملاءمة من ذلك.