".. ولا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك ولله فيه رضا: فإن في الصلح دعة لجنودك، وراحة من همومك، وأمنا لبلادك، ولكن الحذر كل الحذر من عدوك، بعد صلحه: فإن العدو ربما قارب ليتغفل، فخذ بالحزم، واتهم في ذلك حسن الظن.
وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة، أو ألبسته منك ذمة: فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالأمانة، واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت:
فإنه ليس من فرائض الله شئ الناس أشد عليه اجتماعا، مع تفرق أهوائهم، وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود.
وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر (1): فلا تغدرن بذمتك، ولا تخيسن بعدك، ولا تختلن عدوك: فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي.
وقد جعل عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته، وحريما يسكنون إلى منعته، ويستفيضون إلى جواره: فلا إدغال، ولا مدالسة ولا خداع فيه.
ولا تعقد عقدا يجوز فيه العلل، ولا تعولن على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة، ولا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق، فان صبرك على ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق، فان صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه، وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته، وأن تحيط بك من الله طلبته، فلا تستقيل فيها دنياك وآخرتك " (2).