في إجراءاتها الظالمة ثم مغاضبتها للغاصبين حتى توفيت، حيث أوصت أن تدفن ليلا - إن ذلك كله - يمكن تفسيره على أنه رغبة في حطام الدنيا، وحب للحصول على المال.. فإن حياتها وهي الصديقة الطاهرة، والزاهدة، والفانية في الله، حتى إنها كانت تقوم الليل حتى تورمت قدماها..
وكذلك ما شاع وذاع حول كيفية تعاملها مع الأموال التي كانت تحصل عليها من فدك وغيرها، وكيف كانت تصرفها - إن ذلك - لخير دليل على ما نقول، وأوضح شاهد عليه.
وهذا بالذات هو ما يجعلنا نتساءل عن السر الكامن وراء تلك المطالبة، وذلك الإصرار ولعلنا نستطيع أن نفسر ذلك بما يلي:
1 - أن نفس الإنتصار للحق، وتأكيده، ورفض الباطل وإدانته أمر مهم ومطلوب ومحبوب، وهو من القيم والمثل التي لابد من الإلتزام بها والتأكيد عليها، في مختلف الظروف والأحوال.
2 - إن في موقف فاطمة الزهراء " عليها السلام " في وقت لا يزال فيه الإسلام طري العود، ويمكن أن يصبح فيه السكوت على الإنحراف سببا في قبول الناس له على أنه أمر لا يتنافى مع أحكام الشرع والدين - إن في هذا الموقف - حفاظا على مبادئ الإسلام، وعلى قوانينه وأحكامه، وصيانة له عن الفهم الخاطئ وعن التحريف..
3 - إن فاطمة " عليها السلام " بموقفها هذا قد أفهمت كل أحد: أنه لابد من قول الحق، وإطلاق كلمة " لا " في وجه الحاكم، وأنه ليس في منأى عن الحساب والعتاب والعقاب، وأن الإنحراف مرفوض من كل أحد حتى من الحاكم، وليس هو فوق القانون، بل هو حام للقانون، ومدافع عنه، وأن سلطته وحكمه ليس امتيازا له يصول به على الآخرين، ويستطيل به عليهم، وإنما هو مسؤولية، لا بد وأن يطالب هو قبل كل أحد بالقيام بها، وبالالتزام بما يفرض الشرع عليه الإلتزام به في نطاقها..