الخليل أن تكون هذه المجلة ناطقة باسم المنتدى. وأن يكون اسمها " المنتدى الأدبي "، فكاد ان ينشب خلاف شديد وخطير بين الجمعيتين لولا تدخل ذوي الرأي من الحكماء مثل الدكتور حسين حيدر، وكان وطنيا غيورا جوادا كثير البذل ساعد المنتدى بمال وفير (1)، وعبد الحميد الزهراوي، وحلت المسالة في مصلحة المنتدى الأدبي.
لم يمض زمن على تأسيس المنتدى الأدبي حتى بلغ عدد من انضوى تحت لوائه ما يزيد عن 280 شابا وأديبا من أبناء العرب المقيمين في الآستانة، وما يقرب من 500 شاب من طلاب المدارس العالية فيها، من مختلف الأقطار و مختلف الأديان والمذاهب وفتحت له فروع في شتى انحاء البلاد العربية وانتمى إليها آلاف من أبنائها. فقد كان له صدى قوي فيها، كما كان رئيسه على اتصال بالحركات الوطنية وببوادر اليقظة القومية التي تعهدها النابهون من أبناء العرب في كل مكان، وبالجمعيات الاصلاحية العربية في بيروت والبصرة وبحزب اللامركزية في مصر. وكان له أيضا باع طويل في عقد المؤتمر العربي الأول في باريس، وبأقطاب المعارضة العربية في مجلس المبعوثان وخاصة بممثليها من أمثال شفيق المؤيد، وشكري العسلي، وعبد الوهاب الانكليزي، وعبد الحميد الزهراوي وغيرهم. وعلى قول الأمير مصطفى الشهابي: " كان المنتدى يطوي في جنبات أعضائه نزوعا إلى الأهداف القومية وراء الأهداف الأدبية الاجتماعية الظاهرية ".
على أن الذي لمسته من كل مطالعاتي المتعلقة بهذا البحث أن المسؤولين في هذا المنتدى وخاصة منهم رئيسه عبد الكريم الخليل الذي أحرز رئاسته بالانتخاب من قبل الأعضاء المنتسبين اليه، كانوا حريصين على الرابطة العثمانية والوفاق مع العنصر التركي. وان الفكرة التي كانت تسيطر على أبناء العرب المثقفين ثقافة عالية هي ضرورة احتفاظ كل قومية من القوميات العثمانية بطابعها المميز ولغتها وتقاليدها واحياء أمجادها وتنمية الشعور القومي فيها ضمن رابطة جامعة هي الرابطة العثمانية التي يجب أن يرفرف علمها على الجميع، وان تنضوي القوميات تحت جناحيها في نظام ديمقراطي حر. وفي جو من الآخاء والمساواة الذي يهئ لجميع العناصر والأديان العيش الهنئ الرغيد، والحياة الاقتصادية والاجتماعية الرافهة. ان أكبر دليل على ذلك أن الاجتماعات العامة وحفلات الخطابة والاحتفالات في شتى المناسبات، وخاصة منها ذكرى المولد النبوي السنوية التي كان يقيمها المنتدى، كان يدعى إليها أبناء الترك من رجالات السياسة والأدب والاجتماع (2) وكان يتخلل الخطب المتبادلة بين الطرفين عواطف الود والآخاء والولاء للرابطة العثمانية كما كان يتخللها استعراض لماضي العرب الزاهر ومجدهم الوضاء (3) وبيان السبل المؤدية إلى تسهيل أمر التعليم الصحيح والثقافة القديمة للناشئة العربية، ومن الأدلة أيضا المقالات الصحافية التي كان ينشرها كبار كتاب هذا المنتدى وفي مقدمتهم الدكتور عزت الجندي، عضو هيئة الإدارة فيه في الجرائد العربية ومنها المؤيد، والأهرام. فالدكتور عزت الجندي، حتى في أشد حملاته على الاتحاديين وفي وقت وصلت فيه الأفكار القومية بعد حرب البلقان إلى آخر انطلاق لها في نطاق الفترة التي أبحث فيها، ليس عند العرب فقط بل عند العرب والترك على السواء، لم يخرج عن الرابطة العثمانية، وكل ما وصل إليه هو وكل من لف لفه من القوميين المتطرفين أنه قدم العروبة على كل شئ آخر قال: اننا عرب قبل كل شئ، المسلم عربي، والمسيحي عربي... و... أجل اننا عرب قبل أن نكون مسلمين، والمسيحي عربي قبل أن يكون مسيحيا... و... و... و قد تركنا مسالة الديانات والعبادات إلى الجوامع والكنائس. فإذا كنا عربا قبل أن نكون مسلمين أو مسيحيين فبأولى أن نكون عربا قبل أن نكون عثمانيين... ولكنه لم يقل أننا عرب ولسنا عثمانيين، فإذا كان عزت الجندي قال هذا في الشهر الرابع من عام 1913 فالأحرى به أن تكون لهجته أخف وارتباطه بالعثمانية أكثر قبل هذا التاريخ.
" كان عبد الكريم الخليل لولب المنتدى الأدبي وألمع شخصية فيه، كان شعلة من النشاط والذكاء نال شهادة الحقوق من مدرسة الحقوق بالآستانة في عام 1910 بدرجة التفوق.
وقد وصفه جمال باشا في مذكراته عندما جرت مفاوضات عام 1913 بين الطرفين لبحث مطالب العرب بقوله: "... فبرز لنا شخص قصير القامة يزيد عمره على الثلاثين ربيعا أسمر اللون ذو عينين واسعتين براقتين تدلان على الذكاء والاقدام هذا هو عبد الكريم الخليل... ". لقد اخلص عبد الكريم للقضية العربية وشب على حب العروبة وتمسك بأهدافها وعرف السبيل الصحيح لاعلاء مجدها، سبيل التعليم الصحيح والتربية القومية للناشئة العربية إذ كان يفضل سلوك البناء الاجتماعي إلى جانب البناء السياسي. تباحث عبد الكريم مع النواب العرب حول خطة مثلي تتعلق باصلاح المدارس الابتدائية في دوائرهم فدعاهم إلى حفلة أقامها لهم في حزيران يونية سنة 1911 واقترح عليهم برنامجا يرمي إلى انهاض البلاد العربية على دعامتين.
1 - توثيق عرى الآخاء بين العرب على اختلاف أجناسهم وأديانهم وعناصرهم وطوائفهم حتى لا يذكر الواحد منهم في السياسة والوطنية غير عربيته الشريفة.
2 - توحيد طرق التعليم في البلاد العربية حتى تتربى النفوس تربية واحدة ليسير جميع العرب في طريق واحدة وإلى غرض واحد.
فاستصوب النواب البرنامج الذي عرضه عليهم عبد الكريم وتعهدوا بتنفيذه بالتآزر مع المنتدى الأدبي بعد أن حفل الاجتماع بالخطب الحماسية الرنانة من الحاضرين. ولم يتوان رئيس المنتدى لحظة في العمل وسرعان ما شد