مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ١٣١
المعارف آنذاك محمد فاضل الجمالي. لا تزال الصورة بحوزتي، إذ لم أفز بميدالية أخرى بعد ذلك، وكان علي أن أحتفظ بهذه الصورة حفظا لماء الوجه الرياضي! غير أني لم أكن فخورا بها مع ذلك، فقد كنا، شباب الخمسينات، متمردين وحانقين، لا ندري، في الحقيقة، لمن نوجه ثار غضبنا إن لم يكن لمثل هؤلاء!
في سنة 1953 ظهر العدد الثاني من مجلة (الثقافة الجديدة) فصودر بعد توزيعه في السوق بساعات وجمعت أعداده. كنت قد نشرت فيه أقصوصة (الآخرون)، وقيل بعد أيام، إن رئيس الوزراء محمد فاضل الجمالي سيواجه مجلس النواب العراقي ويشرح لأعضائه سبب إصدار القرار بمنع هذه المجلة!
وقام، فعلا، بهذا العمل ووقف أمام أعضاء المجلس وأخذ يقرأ لهم من مجلة (الثقافة الجديدة) - ذات الغلاف الأخضر كما أتذكر جيدا - مقتطفات من مقال للدكتور إبراهيم كبه، ويبين لهم نواحي الفلسفة الماركسية التي يستند إليها المقال المذكور. كان رئيس الوزراء آنذاك معروفا لنا بأنه يمثل التيار السياسي الجديد المؤيد لأمريكا، الذي كان منافسا للتيار الإنكليزي القديم الذي يقف نوري السعيد على رأسه. ولعل هذه المبادرة من رئيس الوزراء كانت لإظهار المستوى الرفيع الذي يريد أن يبدو به في ممارسته للديمقراطية.
خطر لي وأنا أقرأ في الصحف تفاصيل هذه التمثيلية، بأن من الأكيد أن رئيس الوزراء لن يهتم بقراءة أقصوصتي وتحليلها وفهم أبعاد ما تعبر عنه، فقد كانوا جميعا، غير مكترثين بالمجرى الخطير المرعب الذي كان يسري بصمت تحت أقدامهم والذي كان الأدب وحده يشير إليه ويرصد مسراه.
وكان الشيخ إذن، ذو السنوات الأربع والتسعين، منحنيا على عناوين الكتب، يريد، معاندا بصره الضعيف، أن يتبين فحواها وأسماء مؤلفيها. لم تكن الحياة رفيقة بهذا الإنسان دائما، ففي سنة 1958 أنزله الثوار من عليائه وسجنوه، وعومل بقسوة وأهين علنا ثم أنهوا، بغوغائية لا مثيل لها، محاكمته بالحكم عليه بالإعدام مرات وبالسجن مئات السنين. كانوا مصرين بشكل مشبوه، على جعل أنفسهم وبلدهم المسكين، أضحوكة للعالم.
لم ينالوا من الجمالي مع ذلك، وعفي عنه فسافر ولقي الترحاب في بلده الثاني الأمين... تونس. وكم كانت دهشتي كبيرة، قبل ست سنوات، حين قرأت لهذا الرجل المسن مقالا ملتهبا يدين فيه الأمم المتحدة ومن ورائها أميركا لما أصدرته من قرارات لا شرعية بحق العراق والعراقيين. كنت مندهشا بسبب أن ذلك المقال لا يمثل ولا يعبر عن توجهاته السابقة حين كان مشاركا في الحكم في الخمسينات، وتبادر إلى ذهني أنه قد يكون مجاملا لبعض الجهات السياسية، إلا أن استمراره، وإصراره على الكتابة وعلى إدانة الولايات المتحدة بنفس النسق الأول يجعل من المتعذر تصديق هذا الرأي.
الرجل، إذن، كان مخلصا وصادقا في غضبه وفي تعريته للقرارات القاسية واللا إنسانية التي طاولت شعبا عريقا ذا حضارات متعددة قدمت الكثير من أجل رفعة البشر وحفظ كرامتهم، ولعل هذا الشيخ الذي جاوز التسعين وهو يجهد نظره منحنيا علي الكتب المطبوعة في العراق، كان يبحث عن دليل آخر يضيفه إلى الأدلة الكثيرة المتجمعة لديه، ليثبت أن شعب العراق شعب مبدع، صلد، وأن من الواجب الوقوف إلى جانبه على الدوام والإعلان عن حقيقته الرائعة على الملأ ". (انتهى).
وكتب عنه فائق الشيخ علي ما يلي:
في 1903 حين ولد محمد فاضل الجمالي، في مدينة الكاظمية قرب بغداد، كان العثمانيون يشيعون سياسة " التتريك والتجهيل " معا في العراق، فشهدت الكاظمية حركة تزعمها الشيخ مهدي الخالصي، ودعا إلى التنوير.
وساهم في قيادة ثورة العشرين، وحث الناس على التنبه واليقظة لما يحيط بهم من مخاطر، مستخدما منبره العلمي في " مدرسة الإمام الخالصي " في الكاظمية، والتي درس فيها الجمالي، للترويج لأفكاره ودعواته. وعندما قررت الحكومة العراقية عام 1922 إرسال أول بعثة من الطلبة العراقيين للدراسة في الجامعة الأميركية في بيروت كان فاضل الجمالي أحد أفرادها.
وفي بيروت وجد الطلبة العراقيون أنفسهم بحاجة إلى تأسيس جمعية عراقية تجمعهم وتلم شملهم في إطار الأخوة العراقية والرابطة الوطنية يعولون عليها أمر تنوير الناس وتنبيه الأمة إلى أهمية النهضة العلمية والأدبية الحديثة باعتبارهم النخبة المثقفة والفئة المتنورة في المجتمع العراقي.
ولما توسموا في الجمالي أخلاقه العالية وتنوع ثقافته وسعة اطلاعه، فضلا عن بروز ملامح القيادة المبكرة لديه، أو عزوا إليه في 22 / 10 / 1924 ترؤس الاجتماع لانتخاب الهيئة الإدارية الأولى لسنة 1924. وفي يوم الجمعة في 5 حزيران (يونيو) 1925 عقدت الجمعية العراقية اجتماعها الأخير لتلك السنة وانتخب الجمالي رئيسا لها، بحسب تأريخ أحمد سوسة. أما أعضاء الجمعية فلعبوا أدوارا سياسية وثقافية وغيرها في العراق عند عودتهم إليه بعد تخرجهم في الجامعة الأميركية في بيروت، وتبوأوا مراكز قيادية في الدولة العراقية، إذ يكفي أن الجمالي نفسه شكل حكومتين في العهد الملكي ورأس البرلمان مرتين أيضا وتولى حقيبة الخارجية ثماني مرات، ما يعني أن أعضاء الجمعية حققوا الأهداف التي من أجلها أسسوا جمعيتهم.
لقد شكل الجمالي وزارته الأولى بعد استقالة وزارة جميل المدفعي السابعة وليس خلفا لنوري السعيد كما زعم توفيق السويدي في كتابه. واستمرت من 17 أيلول (سبتمبر) 1953 إلى 8 آذار (مارس) 1954. ووزارته الثانية كانت من 8 آذار 1954 إلى 19 نيسان (إبريل) 1954. وقد توجه إلى إصلاح الأوضاع الداخلية ولم يكن بحاجة إلى الشهرة لأن العالم والعراقيين عرفوه منذ كان يقف خطيبا مفوها في المحافل الدولية يساند الدول الفقيرة ويدافع عن مصالح العراق. وإذا ظل خصومه ينظرون إليه بوصفه ربط العراق بأحلاف ومواثيق دولية " استعمارية "، فإن الدراسة الموضوعية لتلك الأحداث تبدد الكثير من الأوهام وتكشف الكثير من الأكاذيب، كما ذكر لي الجمالي قبل وفاته ببضعة أشهر.
وفي عهد قاد ثورة بيضاء ضد التخلف والمرض والفقر، أعداء الشعوب الثلاثة، وانطلق مجلس الإعمار بمشاريعه وخططه الإصلاحية في البناء والإعمار، وحمل على المحسوبية والمنسوبية وضخ دماء جديدة من الوزراء الشباب في الحكومة العراقية لا يزال ثلاثة منهم على قيد الحياة ويقيمون في لندن (عبد الكريم الأزري، عبد الغني الدلي، عبد الأمير علاوي)، وأزال مظاهر العسف والتسلط في الدولة العراقية، وألغى الأحكام العرفية التي كانت تطبق في البلاد منذ عهد وزارة نور الدين محمد في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 1952، وسمح للأحزاب بمعاودة نشاطاتها السياسية، وأفسح في المجال أمام الإعلام وحرية الصحافة. وبالرغم من كل تلك الإنجازات وقصر عمر الحكومة، لم تتعرض وزارة في حياة الدولة العراقية وقتذاك إلى نكبات وهزات كالتي تعرضت لها وزارة الجمالي، ففي عهدها اجتاح العراق أخطر فيضان عرفه تاريخ الحديث. حيث هدد سكان بغداد بالرعب الحقيقي، دافعا بحكومة الجمالي الثانية إلى السعي جديا لإنشاء السدود وفتح القنوات.
ولم ينتم الدكتور الجمالي في حياته إلى أي حزب سياسي ولم يسع إلى تأسيس أي حزب، في وقت كان العراق يضج بمختلف الأحزاب السياسية والاتجاهات المتعاكسة. كما أن ظروف ومتطلبات العمل السياسي كانت تملي على المسؤولين التحزب أو التحالف مع هذه الجهة أو تلك - في أقل تقدير -
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301